كتاب ملامح رئيسية للمنهج السلفي

تراثهم. وكم من أباطيل وأراجيف ومفتريات دست في وقائع التاريخ حتى كادت تصير من الأمور المسلمة التي لا تناقش! ومن السهل أن تصبح الأكاذيب حقائق عن طريق طمس المعالم الأصلية للوقائع وإحلال أخرى محلها تتفق مع الأهواء والمشارب والنزعات!! (1)
وجد ابن تيمية نفسه وسط هذا الطوفان الذي يحاول أن يغرق في طريقه كل شيء فوقف صامدا، وكان سلاحه حاسما وبتارا، لقد أحاط بالعلوم الإسلامية كلها، بل اتجه إلى غير الإسلامية أيضا، فتمكن بواسطة هذه الأسلحة أن يحارب في عدة ميادين في وقت واحد، وإن كثرة خصومه لتعطينا الدليل على تمكن هذا الشيخ وغزارة علومه. ومن العجب أنه لم يكتف بالحجاج العقلي الفلسفي، بل أخذ يفند أحداث التاريخ ليجلوها ويمسح عنها ما علق بها من معالم كادت تطمس الحقائق نفسها. (2)
وقد أضفى ابن تيمية على مؤلفاته طابعا خاصا يتميز بحرارة الجدل وعنف الخصومة، فقد كان العصر عصر تراجع للمذهب السني أو السلفي بتعبير أدق أمام طغيان علم الكلام والتصوف وفرق الشيعة والفلاسفة، بل إن الفقهاء المتزمتين أيضا لم يسلموا من قلمه. لقد خشي إمامنا على العقيدة الإسلامية من الانحرافات والبدع، وتعددت الميادين التي خاضها في سبيل إحياء المذهب السلفي، فقد أدرك المنهج السليم في العقائد والعبادات معا، فأغضب الكثيرين منه، وألب عليه خصومات عديدة، وخاض معارك ضارية ضد خصوم أقوياء تمكنوا من سجنه (3) ، مما يدل على العنف الذي اتسمت به تلك المعارك كما يدل على عجز خصومه، فلا عجب بعد هذا أن تلاحظ طابع الشدة في كتابته التي يدافع بها عن الاتجاه السلفي في مواجهة المنحرفين عنه. (4)
لقد خشي شيخ الإسلام أن يتجاهل المسلمون تراثهم، ويبتعدوا عن الكتاب والسنة، ويندفعوا في اتجاهات شتى يصبحون معها أعوانا لأعداء الإسلام، فلم يجد بدا من التمسك بمنهج السلف - وهو لا يعدو الوقوف عند النصوص-، وجد
____________
(1) - نظام الخلافة د. مصطفى حلمي: ص 480- 481 بتصرف.
(2) - د. مصطفى حلمي: المرجع السابق، ص 480- 481 بتصرف.
(3) - سجن رحمه بقلعة القاهرة ثم الإسكندرية، وسجن بقلعة دمشق مرتين وتوفي بها عام 728هـ.
(4) - راجع نظام الخلافة: ص 478- 479.

الصفحة 32