كتاب ملامح رئيسية للمنهج السلفي

لقد تسلح بالقرآن الكريم والحديث. فالحق هو الذي جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو الذي اتفق عليه صريح المعقول وصحيح المنقول.
وهذا المنهج هو فيصل التفرقة بين الحقيقة والبدعة. إنه يطعن فيمن يحكمون بالظن وهوى النفوس ثم يحاولون إيجاد السند من أصل ديني إما بالرأي والقياس فيعدونه من العقليات، أو الهوى والذوق ويسمونه ذوقيات، أو بالتأويل كما يفعل الخوارج مدعين اتباعهم للقرآن، أو كما يفعل الشيعة عندما يتلمسون الأدلة من الأحاديث الموضوعة.
إن الموقف الذي اتخذه ابن تيمية يضارع في دقته وسلامته المنهج العلمي الحديث. إنه لم يتخذ أحكاما سابقة في الذهن ليبررها بالنصوص، ولكنه بدأ من النصوص ناقدا لها، فاحصا إياها بفكر العالم الخبير، مبقيا السليم مستبعدا الخاطئ والمنحول. (1)
لم يدع ابن تيمية العقل جانبا، وإنما وضعه في خدمة الشرع، ولم يقدمه على النصوص كما يفعل المعتزلة. فالعقل قائم في خدمة النص. فالنصوص لها المكانة الأولى في منهج ابن تيمية، وفيها الغنى عن كل ماعداها، لسبب جوهري وهو أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد بين أصول الدين كلها ونهى عن اتباع البدع، والعقل لا يتعدى في مهمته دور النظر والاستدلال من واقع النصوص لأنه في هذه الحالة يصبح طريقا إلى الإيمان عن اقتناع ووعي، وهو يتبع في منهجه هذا الشيخ الإمام أحمد بن حنبل. (2)
أما المنهج الذي وضع المعتزلة فيه العقل بمكانة الصدارة ونصبوه وسيلة للاستدلال يأتي في المرتبة الأولى فهو عند ابن تيمية منهج خاطئ، يدل على العجز عن إيجاد الدليل النقلي، لأنهم لا ينظرون في الإسناد، ومدى صحة النقل وثبوته، ولا معرفة لهم بصناعة الحديث والإسناد، وإذا عثروا على دليل من واقع الأحاديث يوافق رأيهم نقلوه، من غير دراية بالحديث من حيث الإسناد أو المتن. (3)
__________
(1) - راجع نظام الخلافة: ص487.
(2) - راجع نظام الخلافة: ص480- 482 بتصرف.
(3) - راجع نظام الخلافة: ص483 بتصرف.

الصفحة 34