ولم يفرق السلف في الاستدلال بين الكتاب والسنة.
فالسنة تبين الكتاب وتفسره، بل السنة خير تفسير يفسر به القرآن بعد القرآن، وقد يتوقف فهم مجمل القرآن على تفصيل السنة، وقد تأتي السنة بأحكام غير مذكورة في القرآن. فيوجب ذلك الأخذ بالكتاب والسنة جميعا دون تفريق بينهما، فكلاهما وحي من عند لله من حيث المعنى. وفي الحديث: (ألا أني أوتيت القرآن ومثله معه) .
والسنة أصل في الاستنباط قائم بذاته ثبت وجوب الأخذ بها في "النصوص الكثيرة جدا الواردة في القرآن التي تدل بصورة قاطعة على لزوم اتباع السنة والالتزام بها واعتبارها مصدرا للتشريع واستفادة الأحكام منها. وقد جاءت هذه النصوص دالة على ما ذكرنا بأساليب متنوعة وصيغ مختلفة: فهي تأمر بطاعة الرسول وتجعل طاعته طاعة لله، وتأمر برد المتنازع فيه إلى الله والى الرسول أي إلى كتابه وسنة نبيه وتأمر بأخذ ما يأتينا به الرسول والابتعاد عما ينهانا عنه، وتصرح أن لا إيمان لمن لا يحكم رسول الله فيما يختلف فيه مع غيره. وتقول: ألا اختيار لمسلم فيما قضى به رسول الله وتحذر المخالفين لأمره من سوء العاقبة والعذاب الأليم". (1) - (2)
قال تعالى: {وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (الحشر: 7) وقال: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا} (الأحزاب: 26) وقال: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} (الأحزاب: 6) وقال: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} (النور: 54)
واتباع السنة واجب في الأصول والفروع، في العقيدة والعمل، في الظاهر والباطن لعموم الأدلة وإجماع الأمة. قال الشافعي: "أجمع العلماء على أن من استبانت له السنة لم يكن له أن يدعها لقول أحد من الناس". (3)
__________
(1) - الوجيز في أصول الفقه د. عبد الكريم زيدان ص 162 – 163
(2) - ولا يخفى أن الإجماع كحجة ليس بدليل ولكنه دليل على وجود دليل من الكتاب أو السنة أو القياس الجلي، علمه وجهله من جهله، والقياس كحجة إلحاق فرع لم يرد في الكتاب والسنة بأصل من الكتاب والسنة في الحكم لاشتراكهما في العلة، فمرد الإجماع والقياس إلى الكتاب والسنة كذلك. أما القواعد الفقهية التي سار عليها العلماء على اختلاف بينهم فيها فهي قواعد أخذت من أدلتها من الكتاب والسنة وعممت على الأحكام التي تندرج تحت عمومها فمردها جميعا إلى الكتاب والسنة أيضا. فبالجملة اعتمد السلف على الكتاب والسنة في أخذ أحكام الدين جميعها في الأصول والفروع في الاعتقاد والفقه ولم يخرجوا عنهما بحال من الأحوال.
(3) - "منة الرحمن في نصيحة الإخوان" للشيخ ياسر برهامي ط. مكتبة الإيمان. الإسكندرية: ص54 بتصرف يسير.