كتاب ملامح رئيسية للمنهج السلفي

فكان نهج السلف أن يبدءوا بالشرع أولاً ثم يخضعون له العقل، ومن ثم يقدمون الرواية على النظر العقلي وفق طرق المتكلمين.
وهم يرون أن العقل يوافق الشرع ولا يخالفه، وقد يأتي الشرع بمحارات العقول، وهو لا يأتي أبداً بمحالات العقول فلا تعارض بين نقل صحيح ونظر عقلي سليم. والنقل الصحيح حجة، والنظر العقلي تابع للدليل السمعي ولا يتعارض معه أبداً.
أما المتكلمون فإنهم يقدمون أدلتهم العقلية على الأدلة السمعية. فيبدءون في البحث عما تقبله عقولهم وترضاه من آراء المتكلمين، ثم يخضعون لها نصوص الشرع. وهم يرون أن الأدلة العقلية قطعية، وأن الأدلة النقلية أدلة ظنية، لذا يعمدون إلى تأويل ما خالف آرائهم العقلية من الشرع ليوافق ما هم عليه.
وقد ورد العديد من أقوال السلف التي تبين رفضهم لعلم الكلام ونبذه، مما يبين بطلان تقديمه على الشرع في الاستدلال، وسنذكر طائفة منها قريباً.
يقول ابن تيمية رحمه الله: "ولهذا لا يوجد في كلام أحد من السلف أنه عارض القرآن بعقل ورأي وقياس ولا بذوق ووجد ومكاشفة، ولا قال قط: قد تعارض في هذا العقل والنقل، فضلاً عن أن يقول: فيجب تقديم العقل، والنقل: يعني القرآن والحديث وأقوال الصحابة والتابعين إما أن يفوض وإما أن يؤول. ولم يكن السلف يقبلون معارضة الآية إلا بآية أخرى تفسرها وتنسخها أو بسنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - تفسرها، فإن سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تبين القرآن وتدل عليه وتعبر عنه. (1)
يقول شارح الطحاوية:
"وكيف يتكلم في أصول الدين من لا يتلقاه من الكتاب والسنة، إنما يتلقاه من قول فلان، وإذا زعم أنه يأخذه من كتاب الله، لا يتلقى تفسير كتاب الله من أحاديث الرسول، ولا ينظر فيها، ولا فيما قاله الصحابة والتابعون لهم بإحسان المنقول إلينا عن الثقات النقلة" ا. هـ.
يقول الشاطبي في الاعتصام (2) :
"إن الشريعة بينت أن حكم الله على العباد لا يكون إلا بما شرع في دينه على ألسنة أنبيائه ورسله ولذلك قال تعالى: {وَمَا كُنَّا
__________
(1) - من الفتاوى الكبرى لابن تيمية جـ13/ ص28-29 نقلاً عن معالم الانطلاقة الكبرى لمحمد بن عبد الهادي المصري ط. دار طيبة ص67.
(2) - جـ1/ 45

الصفحة 49