كتاب ملامح رئيسية للمنهج السلفي

أقوال علماء الكلام في ذم الكلام والانشغال به
وقد نقل عن كبار علماء الكلام أنفسهم - خاصة الأشاعرة منهم - ما فيه ذم علم الكلام والاشتغال به، وإقلاعهم في آخر حيلتهم عنه، لما رأوا من قبح غوائله. فمن ذلك:
قال الرازي في آخر حياته:
"لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيتها تشفي عليلاً ولا تروي غليلاً، ورأيت أقرب الطرق: القرآن. أقرأ قي الإثبات {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} و {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} . وأقرأ في النفي: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} {وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} ثم قال: "من جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي"
وقال أيضاً في وصيته:
"ولقد اختبرت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية، فما رأيت فيها فائدة تساوى الفائدة التي وجدتها في القرآن العظيم، لأنه يسعى في تسليم العظمة والجلال بالكلية لله تعالى، ويمنع من التعمق في إيراد المعارضات والمتناقضات، وما ذلك إلا للعلم بأن العقول البشرية تتلاشى وتضمحل في تلك المضايق العميقة والمناهج الحقية". (1)
وقال أبو الوفاء بن عقيل لبعض أصحابه: "أنا أقطع أن الصحابة ماتوا وما عرفوا الجوهر والعرض (2) ، فان رضيت أن تكون مثلهم فكن، وإن رأيت أن طريقة المتكلمين أولى من طريقة أبي بكر وعمر فبئس ما رأيت".
وقال الوليد بن أبان الكرابيسي لبنيه حين حضرته الوفاة يوصيهم: "هل تعلمون أحداً أعلم بالكلام مني؟ قال بنوه: لا. قال: فتتهموني؟ قالوا: لا. قال: فإني أوصيكم أتقبلون؟ قالوا: نعم. قال: عليكم بما عليه أهل الحديث، فإني رأيت الحق معهم".
__________
(1) - والرازي من أئمة التأويل في زمانه، وكتب ذلك في (أقسام اللذات) اعترافاً منه بأن طريق الحق اتباع القرآن في قضية أسماء الله تعالى وصفاته.
(2) - الجوهر: ما يقوم بنفسه (ذات) ، والعرض: ما يقوم بالجوهر (صفة) . مثال ذلك زيد أسود، والأعراض تسعة، كم، متى، وضع، ملك، أن يفعل، أن ينفعل، إضافة.

الصفحة 54