لا يعني تقديم السلف للنقل على العقل، واقتصارهم في الاستدلال على الكتاب والسنة، ورفضهم تأويل النصوص بالأدلة العقلية على طريقة المتكلمين، أن السلف ينكرون دور العقل في التوصيل إلى الحقائق والمعارف، أو أنهم لا يستعملون الفكر والنظر في الآيات الكونية. ولكن ذلك يعني أنهم لا يسلكون في استعمال العقل الطريقة التي سلكها علماء الكلام في الاستدلال بالعقل وحدة في المسائل العقائدية والغيبية، وتقديمه على كلام الله عز وجل خالق العقل والعقلاء، وتقديمه على سنة النبي صلى الله عليه وسلم المبلغ عن الله عز وجل بالوحي، والمعصوم من الخطأ في البيان.
فالسلف في منهجهم لا يدعون وجود تعارض بين الشرع والعقل، بل ينفون هذا التعارض الذي يصطنعه علماء الكلام المتأثرون بالفلاسفة اليونانيين.
ولكن شتان بين وظيفة العقل عند السلف، ودوره عند علماء الكلام والفلاسفة. (1)
فعند علماء السلف:
العقل أمر معنوي يقوم بالعاقل سواء سمي عارضاً أو صفة: وهو مخلوق خلقه الله وأودعه في الإنسان، وهو يؤدي وظيفته من خلال قدراته، ومن خلال ما حوله مما يحيط به ويدركه، وقدرات العقل كمخلوق محدودة، وإدراك العقل للكون على اتساعه مقصور على الإحاطة بما تدركه حواس الإنسان وحواس الإنسان محدودة، فالقدرة المطلقة والإحاطة الشاملة، من صفات الخالق وليست من صفات العقل المخلوق.
والعقل الإنساني غير معصوم من الخطأ، وعقلاء الفلاسفة وعلماء الكلام يقع منهم من الجهل والضلال الكثير، والرد إليهم يوقع في الحيرة والاضطراب
__________
(1) يراجع في ذلك: "الصفات الإلهية في الكتاب والسنة" للدكتور محمد أمان بن علي الجامي ط. دار الإيمان ص58 - 61. "السلفية بين العقيدة الإسلامية والفلسفة الغربية" ط. دار الدعوة ص58 - 89. و"منهج علماء الحديث والسنة في أصول الدين" ط. دار الدعوة: ص142 - 151. كلاهما للدكتور مصطفى حلمي. و"تمام المنة في الرد على أعداء السنة" و"تيسير علم الحديث" للشيخ محمد إسماعيل ط. الجماعة الإسلامية بالإسكندرية.