كتاب ملامح رئيسية للمنهج السلفي

علماء السلف أهل نظر واستدلال
يقول ابن تيمية رحمه الله: "ومن العجب أن أهل الكلام يزعمون أن أهل الحديث والسنة أهل تقليد، ليسوا أهل نظر واستدلال، وأنهم ينكرون حجة العقل، وربما حكى إنكار النظر عن بعض أئمة السنة، وهذا مما ينكرونه عليهم فيقال لهم: ليس هذا بحق فإن أهل السنة والحديث لا ينكرون ما جاء به القرآن هذا أصل متفق عليه بينهم، والله قد أمر بالنظر والتفكر والتدبر في غير آية، ولا يعرف عن أحد من سلف الأمة ولا أئمة السنة وعلمائها أنه أنكر ذلك، بل كلهم متفقون على الأمر بما جاءت به الشريعة من النظر والتفكر والاعتبار والتدبر وغير ذلك. ولكن وقع اشتراك في لفظ (النظر) و (الاستدلال) ولفظ (الكلام) فإنهم أنكروا ما ابتدعه المتكلمون من باطل نظرهم وكلامهم واستدلالهم، فاعتقدوا أن إنكار هذا مستلزم لإنكار جنس النظر والاستدلال". اهـ. (1)
أمثلة لاستدلالات عقلية للسلف الصالح
جاءت جماعة من الدهرية إلى الإمام أبي حنيفة، فقال لهم: أجيبوني عن مسألة؟ فقالوا: هات. فقال: ما تقولون في رجل يقول لكم إني رأيت سفينة مشحونة بالأحمال مملوءة من الأثقال قد احتوشها في لجة البحر أمواج متلاطمة ورياح مختلفة وهي من بينها تجري مستوية ليس لها ملاح يجريها ولا متعهد يدفعها، فهل يجوز ذلك في العقل؟ قالوا: لا هذا شيء لا يقبله العقل! فقال أبو حنيفة: يا سبحان الله إذا لم يجز في العقل سفينة تجري في البحر مستوية من غير متعهد ولا مجر، فكيف يجوز قيام هذه الدنيا على اختلاف أحوالها وتغير أعمالها وسعة أطرافها وتباين أكنافها من غير صانع وحافظ؟ فقالوا: صدقت".
وسئل الشافعي: "ما الدليل على وجود الصانع؟ فقال: ورقة الفرصاد طعمها ولونها وريحها وطبعها واحد عندكم؟ قالوا: نعم. قال فتأكلها دودة القز فيخرج منها الإبريسم، والنحل فيخرج منها العسل، والشاة فيخرج منها البعر، ويأكلها الظباء فينعقد في نوافجها المسك فمن الذي جعل هذه الأشياء كذلك مع أن الطبع واحد؟ فأسلم المخالفون له على يديه".
__________
(1) - نقض المنطق لابن تيمية ص 47.

الصفحة 61