ذكر الشاطبي في الاعتصام بعضاً من طرق الصحابة - رضي الله عنهم - إزاء تلقيهم الأخبار المروية في مسائل التوحيد وتقبل العقل لها والاستدلال على صحتها بنظر عقلي. فمن ذلك: (1)
1- فهمهم وصف الصراط بأنه كحد السيف بأن العادة قد تخرق حتى يمكن المشي والاستقرار.
2- أثبتوا الميزان للحساب بكيفية تليق بالآخرة، لأن الأعمال ليست كالأجسام التي توزن في الدنيا.
3- أثبتوا عذاب القبر بأن رد الروح إلى البدن وتعذيبه يقبله العقل، فالمحتضر يعالج سكرات الموت ويُخبر بآلام وكذلك أصحاب الأمراض المؤلمة ولا نرى عليه أثر ذلك.
4- أثبتوا سؤال الملكين للميت وإقعاده في قبره من قبيل خرق العوائد وخروج حكم ذلك عن حكمنا المعتاد في الحياة الدنيا. ومثله إنطاق الجوارح لتشهد على صاحبها يوم القيامة، وقراءة الأمي الذي لا يقرأ لصحف أعماله يوم القيامة... إلخ.
5- رؤية الله عز وجل في الآخرة جائزة، ولا يمنعها العقل، إذ لا دليل في العقل يدل على رؤية إلا على الكيفية المعتادة عندنا في الدنيا.
6- تكلم الله تعالى: لا يمنع العقل ذلك في حقه تعالى على وجه لا يشابه كلام المخلوقين ولكن على الوجه اللائق بجلاله عز وجل.
روي عن ابن عباس - رضي الله عنه - أنه أخبر بأحاديث رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة، فعارضه سائل بقوله تعالى: {لا تدركه الأبصار} فقال له: "ألست ترى السماء"فقال: بلى. فسأله أتراها كلها؟ أجاب: لا.
وقد تكلم أناس في معية الله مع العباد وإحاطته بهم مع كونه مستويًا على عرشه فوق سماواته. فضرب الإمام أحمد لذلك مثلين عقليين ولله المثل الأعلى. فقال: "لو أن رجلاً في يده قوارير فيها ماء صاف، لكان بصره قد أحاط بما فيها مع مباينته له، فالله وله المثل الأعلى قد أحاط بصره بخلقه وهو مستو على عرشه.
والمثال الثاني: لو أن رجلاً بنى داراً لكان مع خروجه عنها يعلم ما فيها. فالله الذي خلق العالم يعلمه مع علوه عليه كما قال تعالى: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} (الملك: 14) .
__________
(1) - راجع في ذلك (منهج علماء الحديث والسنة في أصول الدين) : ص 43 – 44.