النظر العقلي في القرآن الكريم
القرآن الكريم لا تنقضي عجائبه، ويحتاج إلى من يعمل فيه فكره ونظره، ويتدبره بإخلاص وطلب للحق فينال منه الحقائق البينة، والقواعد المحكمة، والأمثلة الصائبة، فيستغني بما عنده من الهدى عن الخوض فيما خاض فيه المتكلمون والفلاسفة.
وقد عرف السلف ذلك كله واستوعبوه فهماً وعلماً، ومارسوه تطبيقاً في مناقشاتهم ومناظراتهم، ولقد أدرك هذه الحقيقة البعض من أئمة الكلام والفلسفة ورأوا أن الأخذ بطريقة القرآن والتمسك بها هي أصلح منهج لإصلاح العقائد والعقول (1) . يقول الرازي في أواخر حياته: "لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيتها تشفي عليلاً ولا تروي غليلاً، ورأيت أقرب الطرق: القرآن. أقرأ قي الإثبات {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} و {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} . وأقرأ في النفي: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} {وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} ثم قال: "من جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي". ا. هـ. (2)
وقال أيضا في وصيته: "ولقد اختبرت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيت فيها فائدة تساوي الفائدة التي وجدتها في القرآن العظيم لأنه يسعى في تسليم العظمة والجلال بالكلية لله تعالى ويمنع من التعمق في إيراد المعارضات والمتناقضات وما ذلك إلا للعلم بأن العقول البشرية تتلاشى وتضمحل في تلك المضايق العميقة والمناهج الحقية". (3)
ولقد وقع في القرآن المخاصمة مع الفرق الضالة، وذكر القرآن بأدلته السمعية العقائد الحقة، وأنكر على المعتقدات الباطلة، وبين شبهات المخالفين وذكر الرد عليها بالأدلة البرهانية والخطابية. (4)
__________
(1) - راجع قواعد المنهج السلفي ص223 - 259.
(2 , 3) - المرجع السابق نقلاً عن الرازي: ص 223.
(4) - راجع في ذلك مقدمة الفوز الكبير في أصول التفسير لشاه ولي الله بن عبد الرحمن.