قال السيوطي: "قال العلماء: قد اشتمل القرآن على جميع أنواع البراهين والأدلة، وما من برهان ودلالة وتقسيم وتحذير تبنى من كليات المعلومات العقلية والسمعية إلا كتاب الله قد نطق به لكن أورده على عادات العرب دون دقائق طرق المتكلمين لأمرين:
أحدهما: بسبب ما قال: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} (إبراهيم: 4) .
والثاني: إن المائل إلى دقيق المحاجة هو العاجز عن إقامة الحجة بالجليل من الكلام، فمن استطاع أن يفهم بالأوضح الذي يفهمه الأكثرون لم ينحط إلى الأغمض الذي لا يعرفه إلا الأقلون ولم يكن ملغزاً. فأخرج تعالى مخاطباته في محاجة خلقه في أجلى صورة ليفهم العامة من جليهم ما يقنعهم وتلزمهم الحجة وتفهم الخواص من أبنائها ما يربى على ما أدركه فهم الخطباء" ا. هـ. (1)
فالقرآن أقام الحجة العقلية على صحة ما جاء به من أمور الاعتقاد ولكن بطريقة أيسر فهماً، وأقوى حجة، وأوضح دلالة، يستوعبها العالم والجاهل، الأعرابي في الصحراء، والنجباء من العقلاء، وهي فوق ذلك حجة دامغة، لا سبيل إلى ردها أو التشكيك فيها.
فإذا جمعت الأدلة السمعية للقرآن، وأضيفت إليها ما أكدته الأدلة العقلية الواردة في القرآن حصلت بها الحجة البالغة ولله الحمد والمنة.
فالأدلة العقلية في القرآن توصل إلى ما يريده المتكلمون من أدلتهم العقلية، ولكن بوسيلة غير وسيلتهم، إذ تخلو من مصطلحات المتكلمين وعلوم الفلاسفة، وبالتالي من حيرتهم واضطرابهم واختلافهم، فاتفقت الأدلة القرآنية في الهدف مع طريقة المتكلمين، وحققت ما لم تحققه، واختلفا في الوسيلة والمنهج.
والمراد بالحجة العقلية احتجاج المتكلم على ما يريد إثباته بدليل عقلي يقطع به المعاند له فيها (2) وكمالها أن تكون حجة واضحة يفهمها كل عاقل.
لقد أثبت علماء السلف أن أدلة الشرع عقلية أيضاً وليست نقلية فحسب، فإن القرآن الكريم جاء بالأدلة العقلية على أحسن بيان وأقومه واستخلصوا منه الطرق
_______________
(1) - الإتقان في علوم القرآن للسيوطي: جـ2/ 172.
(2) - الإتقان في علوم القرآن: ص172/ جـ2 نقلاً عن ابن أبي الأصبع.