حكم الجدال والمراء ولو في الحق
أنزل الله تعالى كتابه وجعله حجة على عباده، فيه كفاية لمن يبحث عن الحق. فمن بحث عن الحق فيه وجده.
قال تعالى: قال تعالى: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً} (الكهف:54) .
فمن علم الحق بدليله من الكتاب أو السنة فليس له أن يزيد في الكلام، ويحاور في الخطاب، فالجدال هنا باب شر، والمراء في الدين بعد تبين الحق مذموم.
وفي الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل) . وقرأ الآية: {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} (الزخرف: 58) رواه أحمد والترمذي وابن ماجة وسنده صحيح.
فالجدل بقصد إفحام الغير وتعجيزه، أو تنقيصه بالقدح في كلامه ونسبته إلى القصور والجهل، جدال محظور لا نجاة من إثمه إلا بالسكوت، إذ الباعث عليه الترفع بإظهار العلم والفضل والتهجم على الغير مع ما في المماراة من تهييج الغضب ودفع المخالف إلى الانتصار لكلامه بما يمكنه من حق أو باطل. (1)
قال بلال بن سعيد: "إذا رأيت الرجل لجوجاً ممارياً معجباً برأيه فقد تمت خسارته". وقال ابن أبي ليلى: "لا أماري صاحبي، فإما أن أكذبه وإما أن أغضبه".
والمراء: هو كل اعتراض على كلام الغير بإظهار خلل فيه، إما في اللفظ، وإما في المعنى، وإما في قصد المتكلم، وترك المراء بترك الإنكار والاعتراض. فإن كان الكلام حقاً فصدق به، وإن كان غير ذلك فبين بالشرع دليل بطلانه وكفى.
والخصومة لجاج في الكلام ليستوفي به مال أو حق مغصوب ولا تكون الخصومة مذمومة إلا إن كانت بالباطل أو بغير علم، كالذي يدافع قبل أن يعلم الحق في أي جانب، أو يمزج بخصومته كلمات مؤذية لا حاجة لها في نصرة الحجة وإظهار الحق، أو يحمله على الخصومة محض العناد لقهر الخصم وكسره. وهذا هو مقصود اللدد والخصومة واللجاج وهو مذموم جداً. (2)
__________
(1) - يراجع في ذلك (تهذيب موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين) للقاسمي مراجعة وتحقيق طائفة من الجامعيين: ص 23 - 24.
(2) - يراجع المصدر السابق: ص23 - 24.