فأما المظلوم الذي ينصر حجته بطريق الشرع من غير لدد أو إسراف، وزيادة لجاج، ومن غير قصد عناد وإيذاء، ففعله ليس بحرام. ولكن الأولى تركه ما وجد إليه سبيلاً، فإن ضبط اللسان في الخصومة على قدر الاعتدال متعذر. (1)
وفي الحديث: (إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم) . رواه البخاري.
والخصومة توغر الصدر وتهيج الغضب، فينسى المتنازع سبب الخصومة ويبقى الحقد فيه، حتى يفرح كل واحد بمساءة صاحبه، ويحزن بمسرته، ويطلق لسانه فيه، فمن دخل في الخصومة تعرض لهذه المحظورات.
وأقل ما في الخصومة تشويش الخاطر. فينبغي ألا يفتح بابه إلا لضرورة، مع حفظ اللسان والقلب عن تبعات الخصومة، وذلك صعب جداً. (1)
إن الأولى والأصلح والمطلوب شرعاً استخدام طريقة القرآن في الحجاج والجدل والتعبير عن حقائق الإيمان. ولا يخفى أنها أفضل الطرق، وهي من أساليب الرسل في مناقشة الأمم الذين بعثوا إليهم. (2) والأمثلة على ذلك كثيرة من نوح عليه السلام إلى محمد - صلى الله عليه وسلم -:
فعن مجادلة نوح عليه السلام لقومه. قال تعالى: {قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا} (هود: 32) .
وعن مجادلة إبراهيم عليه السلام لقومه قال تعالى: {وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ} إلى قوله تعالى: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آَتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ} (الأنعام: 80 - 83) .
وفصل القرآن مناظرة إبراهيم عليه السلام مع النمرود.
إن الدارس للقرآن الكريم المتدبر لآياته يلتقي مع مناظرات متعددة للكفار والاحتجاج عليها بالأدلة العقلية الكافية الشافية. (3)
وقد أمر الله تعالى بالجدل بالتي هي أحسن. قال تعالى: {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} (العنكبوت: 46) . وقال سبحانه: {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (النحل: 125) .
__________
(1) - يراجع المصدر السابق: ص23 - 24.
(2) - انظر النبوات لابن تيمية: ص161.
(3) - انظر منهج علماء الحديث والسنة: ص 170 - 171.