وأعجب من ذلك وأغرب ادعاء اتفاق الأصوليين على الأخذ بذلك، وهي دعوى باطلة، وجرأة زائدة، فكيف يكون الاتفاق على ذلك وقد نص على أن خبر الآحاد يفيد العلم – كما يفيد العمل – الإمام مالك والشافعي وأصحاب أبي حنيفة وداود بن علي وابن حزم (1) والحسين بن علي الكرابيسي والحارث بن أسد المحاسبي وغيرهم. (2)
قال ابن خويزمنداد في كتاب (أصول الفقه) : "وقد ذكر خبر الواحد الذي لم يروه إلا الواحد والاثنان: ويقع بهذا الضرب أيضاً العلم الضروري، نص على ذلك مالك، وقال أحمد في حديث الرؤية: (نعلم أنها حق، ونقطع على العلم بها) وقال القاضي أبو يعلى في أول المخبر: "خبر الواحد يوجب العلم إذا صح سنده ولم تختلف الرواية فيه، وتلقته الأمة بالقبول، وأصحابنا يطلقون القول فيه، وأنه يوجب العلم، وإن لم تتلقه الأمة بالقبول".
قال: "والمذهب على ما حكيت لا غير".
وقال بذلك أبو إسحاق الشيرازي في كتبه في الأصول كالتبصرة وشرح اللمع وغيرهما، ولفظه في الشرح: "وخبر الواحد إذا تلقته الأمة بالقبول يوجب العلم والعمل، سواء عمل به الكل أو البعض"، ولم يحك فيه نزاعاً بين أصحاب الشافعي، وحكى هذا القول القاضي عبد الوهاب من المالكية عن جماعة من الفقهاء. وذكره أبو بكر الرازي في كتابه "أصول الفقه". (3)
2 – أن الشرع دل على أخذ العلم من الأفراد والجماعات الناقلين له قال تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} (التوبة: 122) . والطائفة تقع على الواحد فما فوقه، والإنذار إعلام بما يفيد العلم. والتبليغ لأمور الشرع من عقيدة وغيرها بلا فرق.
_______________
(1) - راجع "إحكام الأحكام" لابن حزم جـ1 / 119- 138 حيث ذكر في الاحتجاج على ذلك أدلة كثيرة قوية.
(2) - "وجوب الأخذ بحديث الآحاد في العقيدة" للألباني: ط. دار العلم بنها: ص23.
(3) - المصدر السابق: ص23 – 25.