وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرسل الواحد من أصحابه يبلغ عنه فتقوم الحجة بذلك على من بلغه. (1)
وقد أرسل - صلى الله عليه وسلم - علياً ومعاذاً وأبا موسى - رضي الله عنهم - في أوقات مختلفة إلى اليمن يبلغون عنه ويعلمون الناس الدين. وأهم شيء في الدين إنما هو العقيدة.
وهذا دليل قاطع على أن العقيدة تثبت بخبر الواحد وتقوم به الحجة على الناس وإلا ما اكتفى - صلى الله عليه وسلم - بإرسال الواحد بمفرده. ولأرسل معه من يتواتر به النقل.
4 – أن القول المذكور يستلزم اختلاف المسلمين فيما يجب عليهم اعتقاده فيكون الحديث حجة في حق الصحابي باطلاً مردوداً في حق من بعده فالصحابي الذي سمع من النبي - صلى الله عليه وسلم - حصل له اليقين بما سمع واعتقد ذلك عن يقين.
ومن جاء بعده فلم يقبل قول هذا الصحابي لكونه حديث آحاد لا يرى هذا الاعتقاد ويرده. وما ثبت تواتراً في زمن التابعين ولم يثبت بعدهم متواتراً اختلف الاعتقاد بين الزمنين.. وهكذا.
ومن لوازم ذلك أن حديث الصحابي كان صدقاً وحجة في حق الصحابي، ويعد باطلاً ومردوداً في أزمان بعده.
ومن لوازم ذلك رد كل ما رواه الصحابة مباشرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في أمور الاعتقاد إذا لم ينقل عنهم متواتراً ويبقى إثبات ما كان فيها من اعتقادات أخذها الصحابة من النبي - صلى الله عليه وسلم - كأفراد على وصول عقول المتكلمين إلى إدراكها وإثباتها.
5 – أن القول المذكور من لوازمه أن لا يكتفى بإخبار الواحد من علماء الحديث بأن هذا الحديث متواتر إذ إن خبره عن تواتر الحديث خبر آحاد لا يحتج به. أي أنه لا يحتج إلا بما شهد بتواتره جميع الناس لا واحد أو قلة من أهل الاختصاص. ومثل هذا لا يتيسر لكل أحد أن يثبت شهادة الجميع بتواتر الحديث، إما لنقص العلم عنده أو لعدم الاطلاع على كتب أكثر أهل الحديث.
__________
(1) - وانظر الرسالة للشافعي في مبعوثيه - صلى الله عليه وسلم -: ص414 – 419.