كتاب ملامح رئيسية للمنهج السلفي

ويزيد الأمر غرابة أن هؤلاء المتكلمين أبعد الناس عن تعلم الحديث ومطالعة كتب علمائه، وبضاعتهم فيه مزجاة ويفوتهم من أقوال المحدثين الكثير والكثير. (1)
وأعجب من ذلك ذمهم للتقليد في أمور العقيدة، وهم في علم الحديث لا يملكون إلا التقليد فيه.
6 – فإن قيل حديث الآحاد يفيد الظن، ويحتمل الخطأ فيه، عمداً أو سهواً، أو بعدم ضبط في النقل ونحوه. وما كان هذا صفته لا تؤخذ منه عقائد. فوجب ترك العمل بحديث الآحاد لذلك. والجواب: هذا مردود من وجهين:
الأول: إجماع السلف على قبول أحاديث الآحاد في العقائد وإثبات صفات الرب تعالى والأمور الغيبية العلمية بها.
الثاني: هذا الادعاء يوجب أيضاً طرح العمل بأحاديث الآحاد في الأحكام والفرعيات لنفس العلة وهذا باطل. فإن الذين نقلوا هذا هم الذين نقلوا هذا، فإن جاز عليهم الخطأ والكذب في نقلها، جاز عليهم ذلك في نقل غيرها، وحينئذ فلا وثوق بشيء نقل لنا عن نبينا - صلى الله عليه وسلم - وهذا انسلاخ من الدين.
قال ابن القيم رحمه الله: "ولا يمتنع إثبات الأسماء والصفات بها، كما لا يمتنع إثبات الأحكام الطلبية بها، فما الفرق بين باب الطلب وباب الخبر، بحيث يحتج بها في أحدهما دون الآخر وهذا التفريق باطل بإجماع الأمة، فإنها لم تزل تحتج بهذه الأحاديث في الخبريات، كما تحتج بها في الطلبيات العمليات، ولاسيما الأحكام العملية تتضمن الخبر عن الله بأنه شرع كذا، وأوجبه ورضيه ديناً فشرعه ودينه راجع إلى الأسماء وصفاته، ولم تزل الصحابة والتابعون وتابعوهم، وأهل الحديث والسنة يحتجون بهذه الأخبار في مسائل الصفات والقدر والأسماء والأحكام، ولم ينقل عن أحد منهم البتة أنه جوز الاحتجاج بها في مسائل الأحكام دون الأخبار عن الله وأسمائه وصفاته، فأين سلف المفرقين بين البابين؟
__________
(1) - ويدل على شدة جهلهم بالحديث المتواتر إنكار تواتر بعض الأحاديث المعلوم تواترها عند علماء الحديث والمشتغلين به كنزول الله تعالى إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من كل ليلة وكرؤية المؤمنين لربهم في الجنة يوم القيامة ونزول المسيح في آخر الزمان وظهور الدجال... إلخ.

الصفحة 87