نعم سلفهم بعض متأخري المتكلمين الذين لا عناية لهم بما جاء عن الله ورسوله وأصحابه، بل يصدون القلوب عن الاهتداء في هذا الباب بالكتاب والسنة وأقوال الصحابة، ويحيلون على آراء المتكلمين وقواعد المتكلفين، فهم الذين يعرف عنهم التفريق بين الأمرين، وادعوا الإجماع على هذا التفريق، ولا يحفظ ما جعلوه إجماعاً عن إمام من أئمة المسلمين، ولا عن أحد من الصحابة والتابعين وهذا عادة أهل الكلام، يحكون الإجماع على ما لم يقله أحد من أئمة المسلمين. بل أئمة المسلمين على خلافه". ا. هـ. (1)
7 – أن مآل الأخذ بهذا القول هو الاقتصار في العقيدة على ما جاء به القرآن وترك العمل في العقائد بالأحاديث النبوية، وعدم الاعتداد بما جاء فيها من الأمور الغيبية.
فإن أكثر الأحاديث النبوية آحاد، والمتواتر منها قليل بالنسبة إلى الآحاد، والمتواتر اللفظي منها أقل، والمتواتر المعنوي إنما تختلف ألفاظه وتتفاوت. والناس يختلفون في إثبات هذا المتواتر ويتفاوتون.
ويشهد لذلك أن هؤلاء المتكلمين لا تجدهم يثبتون أمراً عقائدياً مستدلين بثبوته متواتراً عند علماء الحديث، فهم أبعد الناس عن الأخذ بذلك، لأنهم أجهل الناس بالأحاديث وطرقها، وأزهد الناس في الاشتغال بها وطلبها. ولذلك تراهم يحكمون على أحاديث أنها من الآحاد وهي عند أهل العلم بالحديث من المتواتر.
وأغرب من ذلك وأعجب ادعاء بعضهم أنه لا حاجة إلى السنة في أمور العقيدة، وأنه لم يثبت في أحاديث الآحاد ما تنفرد السنة به في أمور العقيدة، والأعجب تصديق البعض ذلك والأخذ به. يقول أحدهم: وليس في العقائد ما انفرد الحديث بإثباته. (2) ويقول في موضع آخر: وقد قرر مؤلف المقاصد: أن جميع أحاديث أشراط الساعة آحادية. (3) فهذا بوضوح ما انتهى به الأمر بالنسبة لهؤلاء القائلين بعدم الأخذ بأحاديث الآحاد في العقائد أن نبذوا السنة النبوية كلها من الناحية العملية.
__________
(1) - "الصواعق المرسلة" لابن القيم: جـ2/412-417
(2) - "وجوب الأخذ بحديث الآحاد في العقيدة" للألباني: ص35. نقلاً عن "الإسلام عقيدة وشريعة" للشيخ محمود شلتوت ص431.
(3) - المصدر السابق: ص36 نقلاً عن الشيخ شلتوت ص61.