كتاب ملامح رئيسية للمنهج السلفي

الوجه الثاني: أن يفسروا اللفظ بمعنى صحيح موافق لظاهره لكن يردونه لاعتقادهم أنه باطل وليس بباطل.
مثال ذلك: قوله تعالى: {الرحمن على العرش استوى} (طه: 5) .
قالوا: فظاهر الآية أن الله علا على العرش، والعرش محدود، فيلزم أن يكون الله سبحانه وتعالى محدودا، وهذا معنى فاسد فيكون غير مراد. (1)
فنقول: إن علو الله تعالى على عرشه -وإن كان العرش محدوداً- لا يستلزم معنى فاسداً فإن الله تعالى قد علا على عرشه علواً يليق بجلاله وعظمته ولا يماثل علو المخلوق على المخلوق، ولا يلزم منه أن يكون الله محدوداً وهو علو يختص بالعرش والعرش أعلى المخلوقات، فيكون الله عالياً على كل شيء، وهذا من كماله وكمال صفاته فكيف يكون معنى فاسداً غير مراد؟! (2)
وقد يجتمع الخطأ من الوجهين في مثال واحد، مثل قوله - صلى الله عليه وسلم -: (إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء) .
فقالوا على الوجه الأول: ظاهر الحديث أن قلوب بني آدم بين أصابع الرحمن فيلزم منه المباشرة والمماسة وأن تكون أصابع الله سبحانه داخل أجوافنا، وهذا معنى فاسد فيكون غير مراد.
وقالوا: على الوجه الثاني: ظاهر الحديث أن لله أصابع حقيقية والأصابع جوارح وهذا معنى فاسد فيكون غير مراد.
فنقول على الوجه الأول:
إن كون قلوب بني آدم إصبعين من أصابع الرحمن حقيقة لا يلزم منه المباشرة والمماسة، ولا أن تكون أصابع الله عز وجل داخل أجوافنا، ألا ترى إلى
_____________
(1) - أو يتوهمون أنه استواء الله تعالى على العرش كاستواء الإنسان على ظهر الدابة أو السفينة فيكون الله تعالى محتاجاً إلى العرش في استوائه كاحتياج الإنسان إلى الدابة أو السفينة فينكرون ظاهر اللفظ لذلك وهذا ـ كما بين الشيخ ـ ظن فاسد فاستواء الله ليس كاستواء المخلوقين بل هو استواء خاص أضافه إلى نفسه عز وجل يليق به كسائر صفاته وأفعاله. فإن الله تعالى لا يماثل المخلوقين.
(2) - تقريب التدمرية: ص 60 - 61.

الصفحة 95