كتاب المستدرك على مجموع الفتاوى (اسم الجزء: 1)

يوسف فلا بد أن يكون بوحي من الله ابتلاء منه لذلك المعتقل، كما ابتلي إبراهيم بذبح ابنه، فيكون المبيح له على هذا التقدير وحيا خاصا كالوحي الذي جاء إبراهيم بذبح ابنه، وتكون حكمته في حق المبتلى امتحانه وابتلاؤه لينال درجة الصبر على حكم الله والرضا بقضائه، وتكون حاله في هذا كحال أبيه يعقوب في احتباس يوسف عنه، وهذا معلوم من فقه القصة وسياقها ومن حال يوسف، ولهذا قال تعالى: {كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} [76/12] فنسب الله تعالى هذا الكيد إلى نفسه، كما نسبه إلى نفسه في قوله: {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا} [15، 16/86] ، وفي قوله: {وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا} [50/27] ، وفي قوله: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [30/8] (1) (2) .
قال ابن القيم رحمه الله: ثم في إعراب هذا الكلام وجهان:
أحدهما: أن قوله: {جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ} [75/12] جملة مستقلة قائمة من مبتدأ وخبر. وقوله: {فَهُوَ جَزَاؤُهُ} جملة ثانية مؤكدة للأولى مقررة لها.
وذكر ابن القيم الفرق بين الجملتين ثم قال: والقول الثاني أن {جَزَاؤُهُ} الأول مبتدأ وخبره الجملة الشرطية ومعنى ذلك والفرق بين الجملتين: أن الأولى إخبار عن استحقاق المسروق لرقبة السارق.
__________
(1) إعلام الموقعين جـ3/228، 229 وللفهارس العامة جـ1/293 وجـ 2/234.
(2) لم يقل ابن القيم انتهى كلام شيخه ويحتمل أنه انتهى عند قوله: التي قضاها لهم نهايتها وقد استمر في الكلام على الكيد والمكر والاستهزاء والخداع المذكور في الآيات إلى ص 230.

الصفحة 185