كتاب المستدرك على مجموع الفتاوى (اسم الجزء: 1)

الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ} [54/24] فكيف يكون ذنب أمته ذنبا له؟ هذا لا يخفى فساده على من له أدنى تدبر وإن كان قاله طائفة من المصنفين في العصمة، حتى ترى ذلك في كلام بعض من له قدم صدق من أهل السنة، لكن الغلو أوجب اتباع الجهال الضلال؛ فإن أصل ذلك من المبتدعين الضالين، وأولهم «الرافضة» فإنهم لما ادعوا العصمة في علي وغيره حتى من الخطأ احتاجوا أن يثبتوا ذلك للأنبياء بطريق الأولى. ولما نزهوا عليا رضي الله عنه ومن دونه أن يكون له ذنب يستغفر منه كان تنزيههم للرسول أولى.
وكذلك «القرامطة» لما ادعوا عصمة أئمتهم الإسماعيلية القرامطة الباطنية الفلاسفة الدهرية وعبدوهم وادعوا فيهم الإلهية كما كانت الغالية تعتقد في علي وغيره الإلهية أو النبوة وكما ألزموا الدعوة للمنتظر وأنه معصوم وقالوا: دخل في سرداب سامرا سنة ستين ومائتين وهو طفل غير مميز، وصار مثل هذا يدّعي حتى ادعى ابن التومرت المغربي صاحب «المرشدة» أنه المهدي صار طائفة من الغلاة في مشايخهم يعتقدون لهم العصمة بقلوبهم أو يقولون: إنه محفوظ والمعنى واحد. ولو أقر له بلسانه عامله بالعصمة بقلبه. فهؤلاء إذا اعتقدوا العصمة في بعض العوام كيف لا يعتقدون ذلك في الأنبياء؟ فإن كان من المسلمين من اعتقد أن الأنبياء أفضل من شيخه وإمامه وهو يعتقد عصمة شيخه فهو يعتقد عصمتهم بطريق الأولى.
وإن كان من الزنادقة الذي يعتقدون أن الشيخ أفضل من النبي -كما يقوله المتفلسفة والشيعة وغلاة الصوفية الاتحادية وغيرهم- فلا بد لهؤلاء أن يقروا الغلو في الأنبياء وحتى يوافقهم الناس على الغلو في أئمتهم.
وهذا كله من شعب النصرانية الذين قال الله فيهم: {قُلْ يَا أَهْل الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} [77/5] إلى قوله: {إِنَّمَا الْمَسِيحُ

الصفحة 206