كتاب المستدرك على مجموع الفتاوى (اسم الجزء: 1)

الذي قال الله تعالى: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ} » [14/83] رواه الترمذي وصححه.
فهذه الأمور يبين الله بها أجناس ظلم العبد نفسه، لكن لكل إنسان بحسبه وبحسب درجته فلنفسه عليه أن يعفها وحدود عليها أن يحفظها ومحارم عليه أن يجتنبها.
فإن أجناس الأعمال ثلاثة: مأمور به. فالواجب هو الفرائض ومنهي عنه وهو المحرم، ومباح له حد فتعديه تعد لحدود الله بل قد تكون الزيادة على بعض الواجبات والمستحبات تعديا لحدود الله. وذلك هو الإسراف كما قال: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا} [147/3] .
إذا عرف ذلك فقول القائل: ما مفهوم قول الصديق رضي الله عنه: «ظلمت نفسي ظلما كثيرا» والدعاء بين يدي الله لا يحتمل المجاز، والصديق رضي الله عنه من أئمة التابعين، والرسول - صلى الله عليه وسلم - أمره بذلك: هل كان له نازلة شبهة؟ إن قال: كان الصديق رضي الله عنه أجل قدرا من أن يكون له ذنوب تكون ظلما كثيرا فإن ذلك ينافي الصديقية. وهذه الشبهة تزول بوجهين:
أحدهما: أن الصديق رضي الله عنه بل والنبي - صلى الله عليه وسلم - إنما كملت مرتبته وانتهت درجته وتم علو منزلته في نهايته لا في بدايته، وإنما نال ذلك بفعل ما أمر الله به من الأعمال الصالحة وأفضلها التوبة وما وجد قبل التوبة فإنه لم ينقص صاحبه، ولا يتصور أن بشرا يستغني عن التوبة كما في الحديث: «يا أيها الناس توبوا إلى الله فإني أتوب إلى الله في اليوم أكثر من سبعين مرة» ، «وإنه ليغان على قلبي فأستغفر الله في اليوم مائة» ، وكذلك قوله: «اللهم اغفر لي خطئي وجهلي وعمدي وكل ذلك عندي» فيه من الاعتراف أعظم ما في دعاء الصديق رضي الله عنه والصديقون رضي الله عنهم تجوز عليهم جميع الذنوب باتفاق الأئمة.

الصفحة 213