كتاب المستدرك على مجموع الفتاوى (اسم الجزء: 1)

الماحية، والولد الذي يعطيه الله بالنكاح المعتاد، والعلم الذي يناله بالتعلم.
ومنه ما يعطيه للعبد ولا يحوجه إلى السبب الذي ينال به في غالب الأمور كما أعطى زكريا الولد مع أن امرأته كانت عاقرا وقد بلغ هو من الكبر عتيا، فهذا وهبه له الله من لدنه ليس بالأسباب المعتادة وكذلك الذي علمه الخضر من لدنه لم يكن بالتعلم المعهود، وكذلك الرحمة الموهوبة ولهذا قال: {إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} .
وقوله: «مغفرة من عندك» لم يقل فيه «من لدنك» بل من عندك.
ومن الناس من يفرق بين «لدنك» و «عندك» كما يفرق بين التقديم والتأخير فإن لم يكن بينهما فرق فقد يكون المراد اغفر لي مغفرة من عندك لا أطلبها بأسباب؛ لا أنها من عزائم المغفرة التي يغفر لصاحبها كالحج والجهاد ونحوه؛ بل اغفر لي مغفرة توجبها لي وتجود بها علي بلا عمل يقتضي تلك المغفرة.
ومن المعلوم أن الله قد يغفر الذنوب بالتوبة، وقد يغفرها بالحسنات أو بالمصائب وقد يغفرها بمجرد استغفار العبد وسؤاله أن يغفر له فهذه مغفرة من عنده.
فيقال: الأشياء وجهان: منها ما جعل بسبب من العبد يوفيه عمله. ومنه ما يفعله بدون ذلك السبب فلا حاجة لسؤاله إحسانا إليه. واستعمال لفظ: «من عندك» في هذا المعنى مناسب دون تخصيص لبعض الناس دون بعض فإن قوله: «من عندك» دلالته على الأول أبين؛ ولهذا يقول الرجل لمن يطلب منه: أعطني من عندك لما يطلبه منه بغير سبب؛ بخلاف ما يطلبه من الحقوق التي عليه كالدين والنفقة الواجبة فلا يقال فيه: «من عندك» والله تعالى أعلم.

الصفحة 216