كتاب المستدرك على مجموع الفتاوى (اسم الجزء: 2)
متأخري المعتزلة: لا حكم لها قبل السمع وبعدما ورد السمع تبينا أنها كانت مباحة، حكاه ابن برهان. وذكر أبو الطيب في آخر المسألة أكثر مما ذكره القاضي من الإشكال وجوابه، وذكر داود استدلال بعض أصحابه به. والقائلون بالحظر اختلفوا في القدر الذي لا تقوم النفس إلا به كالتنفس في الهواء وشرب الماء وأكل الطعام الذي يسد الرمق: هل هو محظور أو مباح؟ على قولين، والذي ذكره القاضي أن التنفس والانتقال في الجهات إذا كان لحاجة جاز، لأن الإذن قد دخل فيه من جهة العقل. قال: فنظيره أن يضطر إلى أكل طعام غيره فيباح، لأن العقل لا يمنع من هذا كما لا يمنع الشرع من ذلك عند الحاجة، وإن لم تكن به حاجة منعناه، وادعى ذلك مرة ثانية وذكر أيضا في «اللامع» أنه إذا كان السمع هو الحاظ والمبيح فالسمع ورد مفصلا لم يرد حاظر. ثم ورد سمع آخر مبيحا أو ورد مبيحا ثم ورد سمع آخر حاظرًا. وأجاب عن قوله: {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} [29/2] قال: معناه للاعتبار، لا للإتلاف، وأول قوله: {أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} [5/5] بأن معناه ما هو داع إلى فعل الواجب، ويجوز أن يقال: الطيبات هي الحلال؛ ثم هو معارض بقوله: {وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى} [40/79] .
قال شيخنا: قلت: هذا أحد الاحتمالين في الروضة وأحد قولي أصحابنا وغيرهم بأن ما قبل السمع هل يستصحب إذا قامت الأدلة السمعية على عدم الإباحة إلا ما استثناه الدليل؟ قال القاضي: واحتج الواقف بأن كونه على الحظر أو على الإباحة أنها تعلم على قولكم قبل الشرع بالعقل وما علم حكمه بدليل لا يجوز أن يرد الشرع بخلافه مثل شكر المنعم وقبح الظلم. قال: والجواب أنه كذلك فيما عرف ببدائه العقل وضرورات العقول كالتوحيد وشكر المنعم وقبح الظلم؛ فأما ما يعرف بثواني العقول استنباطا واستدلالا فلا يمنع أن يرد الشرع بخلافه،
الصفحة 9
303