كتاب المستدرك على مجموع الفتاوى (اسم الجزء: 3)
قوله {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللمَمَ} [33/35] فقد فسر اللمم: بأنه غير الوطء من النظر واللمس والسمع والمشي ونحوه، كما ثبت في الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: ما رأيت أشبه باللم مما قال أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - «إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا فهو مدرك ذلك لا محالة فالعينان تزنيان وزناهما النظر، والأذنان تزنيان وزناهما السمع، واليدان تزنيان وزناهما البطش والرجلان تزنيان وزناهما المشي، والقلب يتمنى ويشتهي الفرج يصدق ذلك أو يكذبه» وسماه الله لمما لأن العبد المؤمن يلم بالكبيرة ولا يأتيها قال:
متى تأتنا تلمم بنا في دارنا ... تجد حطبا جزلا ونارا تأججا
وقال
متى تأته تعشو إلى ضوء ناره ... تجد خير نار عندها خير موقد
فإن الطارق يلم بأهل المنزل قبل أن يدخل إلى منزلهم.
ويقال: اللمم أن يلم بالذنب الصغير مرة من غير إصرار، لأن من أصر على الصغيرة صارت كبيرة، كما في الترمذي: «لا صغيرة مع إصرار، ولا كبيرة مع استغفار» ، فقد جاء الكتاب والسنة بتكفير الصغائر لمن اجتنب الكبائر وهذا لا ريب فيه.
ثم قال قائلون: مفهوم هذا أنه لا يكفر الصغائر إلا بهذا الشرط، فمن لم يجتنب الكبائر كلها لا يكفر عنه صغيرة، وخالف الخوارج والمعتزلة فقالوا: إن من أتى كبيرة استحق العقوبة حتما، فتحبط جميع حسناته بتلك الكبيرة ويستحق التخليد في النار لا يخرج منها بشفاعة ولا غيرها، وهذا قول باطل باتفاق الصحابة رضي الله عنهم أجمعين وسائر أهل السنة.
الصفحة 95
271