كتاب مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (اسم الجزء: 2)

والطبراني في الكبير، قال الهيثمي: إسناده حسن. وقال الشوكاني: في إسناده عفير بن معدان، وهو ضعيف. ومن حديث جابر عند الطبراني في الأوسط. قال الهيثمي: وفيه يحيى بن ميمون التمار، وهو ضعيف، وقد ذكره ابن حبان في الثقات. ومن حديث أبي هريرة عند الدارقطني، وفيه إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، وهو متروك. ومن حديث ابن عمر عند الدارقطني أيضا، وفيه إبراهيم بن يزيد الخوزي، وهو ضعيف. قال العراقي: والصحيح ما رواه مالك في الموطأ من قوله. وقد أخرج سعيد بن منصور، عن علي وعثمان وغيرهما من أقوالهم نحو هذا الحديث بأسانيد صحيحة. قيل ويعارض أحاديث القطع حديث عائشة، وحديث ابن عباس التاليان، وحديث الفضل بن عباس في الفصل الثاني، وحديث عائشة في الفصل الثالث. وقد اختلف العلماء في العمل بهذه الأحاديث، واختلفت آراؤهم في الكلام على هذه الروايات وتعارضها: فقال بقطع الصلاة بالمرأة والكلب والحمار أبوهريرة وأنس من الصحابة، والحسن البصري وأبوالأحوص من التابعين، وأحمد بن حنبل من الأئمة فيما حكاه عنه ابن حزم الظاهري. وحكى الترمذي عنه أنه يخصصه بالكلب الأسود، ويتوقف في الحمار والمرأة. ووجهه ابن دقيق العيد وغيره بأنه لم يجد في الكلب الأسود ما يعارضه، ووجد في الحمار حديث ابن عباس، وفي المرأة حديث عائشة يعني الذين يليان حديث أبي هريرة وسيأتي الكلام في دلالتهما على ذلك. وقال عطاء وابن جرير: يقطعها الكلب الأسود والمرأة الحائض دون الحمار لحديث ابن عباس الآتي. وذهب أهل الظاهر- كما قال ابن حزم في المحلى- إلى أنه يقطع الصلاة كون الكلب والحمار بين يدي المصلي مارا أو غير مار، صغيرا أو كبيرا، حيا أو ميتا، وكذا كون المرأة بين يدي الرجل مارة أو غير مارة، صغيرة أو كبيرة، إلا أن تكون مضطجعة معترضة فقط. ثم اختلف القائلون بالقطع بمعنى الإبطال بالثلاثة في الجواب عن أحاديث عدم القطع، فقال بعضهم: الأحاديث التي تعارض حديث أبي ذر ومن وافقه بعضها صحيحة لكنها غير صريحة في عدم القطع كحديث عائشة وابن عباس، فإن في دلالتهما على ذلك نظرا قويا كما ستعرف، فلا يترك العمل بحديث أبي ذر الصريح بالمحتمل. وبعضها صريحة كحديث أبي سعيد ومن وافقه، لكنها ضعيفة لا تنهض للاحتجاج، ولو سلم انتهاضها فهي عامة مخصصة بأحاديث القطع. أمل عند من يقول إنه يبني العام على الخاص مطلقاً فظاهر. وأما عند من يقول إن العام المتأخر ناسخ فلا تأخر لعدم العلم بالتاريخ، ومع عدم العلم يبني العام الخاص عند الجمهور. وأما على القول بالتعارض بين العام والخاص مع جهل التاريخ كما هو مذهب الحنفية فلا شك أن الأحاديث الخاصة- أي: أحاديث أبي ذر ومن وافقه- أرجح وأقوى وأصح من هذه الأحاديث العامة، فالأخذ بالأقوى أولى. وقال بعضهم: أحاديث عدم القطع منسوخة بحديث أبي ذر ومن وافقه. قال ابن حزم في المحلى (ج4:ص 14) : لو صحت هذه الآثار- وهي لا تصح- لكان حكمه - صلى الله عليه وسلم - بأن الكلب والحمار والمرأة يقطعون الصلاة، هو الناسخ بلا شك لما كانوا عليه قبل من أن لا يقطع الصلاة شيء من الحيوان كما لا يقطعها الفرس والسنور والخنزير وغير ذلك، فمن الباطل الذي لا يخفي، ولا يحل ترك الناسخ المتيقن والأخذ بالمنسوخ المتيقن. ومن المحال أن تعود الحالة المنسوخة ثم لا يبين

الصفحة 494