كتاب مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (اسم الجزء: 2)

عليه السلام عودها- انتهى. وذهب الجمهور مالك والشافعي وأبوحنيفة وغيرهم من السلف والخلف إلى أنه لا يقطعها شتى. ثم اختلف هؤلاء في تأويل أحاديث القطع، فمال بعضهم إلى النسخ. قال الطحاوي وابن عبد البر: إن حديث أبي ذر ومن وافقه منسوخ بحديث عائشة وحديث ابن عباس الآتيين، واستدلا على تأخر تاريخ حديث ابن عباس بأنه كان في حجة الوداع، وهي في سنة عشر، وفي آخر حياة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعلى تأخر حديث عائشة بأن ما حكاه عائشة عنه يعلم تأخره لكونه صلاته بالليل عندها، ولم يزل على ذلك حتى مات مع تكرر قيامه في كل ليلة، فلو حدث شيء مما يخالف ذلك لعلمت به. وفي هذا الاستدلال نظر لا يخفى على المتأمل، وعلى تسليم صحته لا يتم به المطلوب من النسخ لوجوه ذكرها الشوكاني في النيل، وسنورد بعضها في شرح حديث ابن عباس وعائشة. ووجه النسخ بعضهم بأن ابن عمر وابن عباس من رواة حديث القطع وقد حكما بعدم قطع شيء وهو من أمارات النسخ. وفيه أن عمل الراوي خلاف ما رواه لا يدل على نسخ مروية على ما هو الحق في ذلك. وقال العلامة الشيخ أحمد في تعليقه على الترمذي (ج2:ص164) : والصحيح الذي أرضاه وأختاره أن أحاديث القطع منسوخة بحديث "لا يقطع الصلاة شيء" الذي رواه أبوداود، وقد ضعفه ابن حزم في المحلى (ج4:ص13) بأن أبا الوداك ومجالدا ضعيفان. وأبوالوداك هو جبر بن نوف البكالي، وهو ثقة، وثقة ابن معين، وابن حبان. واختلف فيه قول النسائي، فمرة قال "صالح" ومرة قال "ليس بالقوي" ومثل هذا لا يطلق عليه الحكم بالضعف. وقد أخرج له مسلم في الصحيح. ومجالد هو ابن سعيد الهمداني الكوفي ضعفه أحمد وغيره. وقال يعقوب بن سفيان: تكلم الناس فيه وهو صدوق. وقال البخاري: صدوق، وأخرج له مسلم مقرونا بغيره، ومثله أيضاً لا يطرح حديثه، وقد ورد أيضاً عن أبي أمامة مرفوعاًرواه الطبراني في الكبير. قال في مجمع الزوائد: إسناده حسن. قال: وقد حققت ترجيح النسخ في تعليقي على المحلى لابن حزم (ج4:ص15، 14) وقلت: إن قول النبي - صلى الله عليه وسلم - "لا يقطع الصلاة شيء" فيه إشارة إلى أنه كان معروفا عند السامعين قطعها بأشياء من هذا النوع بل هو يكاد يكون كالصريح فيه لمن تأمل وفكر في معنى الحديث. ثم قد ورد ما يؤيد هذا، فروى الدارقطني (ص141، 140) والبيهقي (ج2:ص278، 277) من طريق إبراهيم بن منقذ الخولاني، ثنا إدريس بن يحيى أبوعمرو المعروف بالخولاني، عن بكر بن مضر، عن صخر بن عبد الله بن حرملة أنه سمع عمر بن عبد العزيز يقول عن أنس، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى بالناس فمر بين أيديهم حمار، فقال عياش بن أبي ربيعة: سبحان الله، سبحان الله، سبحان الله. فلما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من المسبح آنفاً سبحان الله؟ قال: أنا يارسول الله! إني سمعت أن الحمار يقطع الصلاة. قال: لا يقطع الصلاة شيء) . قال: ولم أجد ترجمة لإدريس بن يحيى، وما أظن أحداً ضعفه، ولذلك لما أراد ابن الجوزي أن ينصر مذهبه ضعف الحديث بصخر بن عبد الله فأخطأ جداً، لأنه زعمه صخر بن عبد الله الحاجي المنقري، وهو كوفي متأخر، روى عن مالك والليث، وبقي في حدود سنة (230) وأما الذي في الإسناد، فهو صخر ابن عبد الله بن حرملة المدلجي، وهو حجازي قديم، كان في حدود سنة (130) وهو ثقة. قال: وهذا صريح في

الصفحة 495