كتاب مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (اسم الجزء: 2)

وفي حديث مالك بن أنس: ((فذلكم الرباط فذلكم الرباط مرتين)) رواه مسلم. وفي رواية الترمذي ثلاثاً.
285- (3) وعن عثمان، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من توضأ فأحسن الوضوء، خرجت خطاياه من جسده حتى تخرج من تحت أظفاره)) متفق عليه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أراد أن ثوابه كثواب الرباط. وقيل: أصل الرباط ملازمة ثغر العدو لمنعه، والمعنى أن هذه الأعمال هي المرابطة الحقيقة المذكورة في قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا} [200:4] ؛ لأنها تسد طرق الشيطان عنه، وتمنع النفس عن الشهوات، وعداوة النفس والشيطان لا تخفى، فهذا هو الجهاد الأكبر الذي فيه قهر أعدى عدوه، فلذلك قال: فذلكم الرباط، بالتعريف، أي هو الذي يستحق أن يسمى رباطاً، والتكرار تعظيماً لشأنه. (وفي حديث مالك بن أنس) إمام دار الهجرة، صاحب المذهب، راوي الحديث في سند مسلم. (فذلكم الرباط فذلكم الرباط مرتين) وفي بعض النسخ ردد مرتين، أي كرر "فذلكم الرباط" مرتين والذي في صحيح المسلم"وفي حديث مالك ثنتين فذلكم الرباط فذلكم الرباط" قال النووي: هكذا هو في الأصول "ثنتين" وهو صحيح ونصبه بتقدير فعل أي ثنتين أو كرر ثنتين انتهى. وهذا قول مسلم صاحب الصحيح، قاله بناء على رواية معن عنده، وإلا فأكثر المؤطات ثلاثاً (رواه مسلم) في الطهارة، وأخرجه أيضاً مالك، وأحمد، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة بمعناه (وفي رواية الترمذي ثلاثاً) أخرجه الترمذي أولا من طريق على بن حجر، وذكر فيه "فذلكم الرباط" مرة، ثم رواه من طريق قتيبة: وقال: قال قتيبة: فذلكم الرباط ثلاثاً"، أي ذكره ثلاثاً تأكيداً أو تعظيما لشأنه، ولزيادة الحث عليه.
285- قوله: (فأحسن الوضوء) بضم الواو، والفاء لتفسير كيفية الوضوء على أحسن وجه بمراعاة سننه وآدابه، والمعنى من أراد الوضوء وشرع فيه فأحسنه. (خرجت خطاياه) هو محمول على الحقيقة بناء على أن الخطايا جواهر متعلقة ببدن الإنسان تتصل به وتنفصل عنه، لا أعراض كما قيل، قال السيوطي في قوت المغتذي: الظاهر حمله على الحقيقة، ثم حقق ذلك بأحاديث تدل على أن الذنوب جواهر وأجسام، ووافقه شيخنا في شرح الترمذي، لكن جعله السيوطي من عالم المثال، وعندنا ينبغي تفويض أمثال هذه الأمور إلى الله تعالى. وقيل: هو تمثيل وتصوير لبراءة البدن عن الذنوب ومجاز عن غفرانها. ثم الظاهر عموم الخطايا، والعلماء خصصوها بالصغائر المتعلقة بحقوق الله للتوفيق بين الأدلة، فإن منها ما يقتضي الخصوص كما سيأتي. (من جسده) أي جميع بدنه أو أعضائه. (حتى تخرج من تحت أظفاره) أي مثلاً، والأظفار جمع ظفر بضمتين. (متفق عليه) قلت تفرد مسلم بهذا اللفظ، ولذا اقتصر المنذري في الترغيب. على عزوه لمسلم. وقال القاري: قال عبد العزيز الأبهرى في منهاج المشكاة فيه: أنه من أفراد مسلم. وقال ابن حجر المكي: كذا في جامع الأصول. واقتصر شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر العسقلانى في "هداية الرواة إلى تخريج المصابيح والمشكاة" على عزوه لمسلم انتهى. وأخرجه أيضاً أحمد، والنسائي، وابن ماجه بنحوه مختصراً.

الصفحة 5