كتاب مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (اسم الجزء: 3)

النسخ. قال الشوكاني: قال ابن حزم في الكلام على حديث البراء ما لفظه: إن صح دل على أنه - صلى الله عليه وسلم - فعل ذلك لبيان الجواز، فلا تعارض بينه وبين حديث ابن عمر وغيره- انتهى. وقد سبق عن الشيخ عبد الحي والسندي أن الاستدلال بحديث ابن مسعود على نسخ الرفع ليس بصحيح، فلله درهما قد اعترفا بالصواب وباحا بالحق. واستدلوا أيضاً بما رواه البيهقي في الخلافيات عن عبد الله بن عون الخراز، عن مالك، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة ثم لا يعود- انتهى. قال صاحب العرف الشذي: قال الحاكم: إنه حديث موضوع، ولم اطلع على أول إسناده - إلى قوله -: "فلعل إسناده قوي"-انتهى. وقال صاحب المواهب اللطيفة بعد نقله عن الحاكم والبيهقي حكم الوضع على حديث ابن عمر هذا ما لفظه: تضعيف الحديث لا يثبت بمجرد الحكم، وإنما يثبت ببيان وجوه الطعن، وحديث ابن عمر الذي رواه البيهقي في خلافياته: رجاله رجال الصحيح، فما أرى له ضعفاً بعد ذلك إلا أن يكون الراوي عن مالك مطعوناً، لكن الأصل العدم، فهذا الحديث عندي صحيح لا محالة – انتهى. قلت: الاستدلال بحديث ابن عمر هذا على نسخ الرفع في الركوع والرفع منه كتشبث الغريق بالحشيش، فإنه حديث باطل موضوع. قال الزيلعي في نصب الراية (ج1: ص404) بعد نقل هذا الحديث من الخلافيات: قال البيهقي: قال الحاكم: هذا باطل موضوع، ولا يجوز أن يذكر إلا على سبيل القدح، فقد روينا بالأسانيد الصحيحة عن مالك. بخلاف هذا – انتهى. وقال الحافظ في الدراية: نقل البيهقي عن الحاكم أنه موضوع، وهو كما قال-انتهى. وقال في التلخيص: هو مقلوب موضوع-انتهى. فالعجب من هؤلاء المقلدين الذي يستدلون بحديث ابن عمر الذي حكم الحاكم والبيهقي والحافظ بأنه باطل موضوع على ترك الرفع في غير الافتتاح، ويجعلونه ناسخاً لحديثه الصحيح المتفق عليه، لا سيما من هذين المقلدين الذين مع عدم اطلاعهما على أول إسناد هذا الحديث - أى من دون عبد الله بن عون الراوي، عن مالك إلى البيهقي المخرج له؛ لأن بينهما مفاوز تنقطع دونهما الأعناق، ووسائط لا يدري من هم وكيف حالهم - ومع علمهما بأن الحاكم والبيهقي حكم عليه بأنه موضوع يرجو واحد منهما أن إسناده قوي، ويقول الآخر بملء شدقه: إن رجاله رجال الصحيح، ويحكم بأنه صحيح لا محالة بمجرد قوله: إن الأصل عدم الطعن. البيهقي هو مخرج هذا الحديث، والحاكم والحافظ كانا مطلعين على سنده من أوله إلى آخره، وقد اتفقوا على كونه باطلاً موضوعاً، ونقل الزيلعي كلام الحاكم، وسكت عنه وأقره، ثم أتى من المقلدين من ليس له خبرة ووقوف على أول سنده فرد أقوال هؤلاء الأئمة الحفاظ، وادعى عدم ضعفه، بل جزم بصحته. أليس هذا تحكماً محضاً ارتكبه تمشية للمذهب؟ هداهم الله تعالى إلى صراط المستقيم، وأخلصهم من ورطة التقليد الذي هذا من ثمراته. واستدلوا أيضاً بحديث رواه البيهقي في الخلافيات أيضاً عن عبادة بن الزبير: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه في أول الصلاة، ثم لم يرفعهما في شيء حتى يفرغ. كذا في نصب الراية

الصفحة 22