كتاب مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (اسم الجزء: 3)

(ج1: ص404) قلت: قال الزيلعي بعد ذكره: عباد هذا تابعي، فهو مرسل- انتهى. والمرسل على القول الصحيح ليس بحجة. قال ابن الصلاح في مقدمته (ص21) : اعلم أن حكم المرسل حكم الحديث الضعيف إلا أن يصح مخرجه بمجيئه من وجه آخر، وما ذكرنا من سقوط الاحتجاج بالمرسل والحكم بضعفه هو المذهب الذي استقر عليه آراء جماهير حفاظ الحديث ونقاد الأثر، وقد تداولوه في تصانيفهم. وفي صدر صحيح مسلم: المرسل في أصل قولهم وقول أهل العلم بالأخبار ليس بحجة-انتهى. وقال العراقي في ألفيته (ص.
... ... ... ورده جماهر النقاد ... للجهل بالساقط في الإسناد
وقال الحافظ في الدراية بعد ذكر حديث عباد هذا: وهذا مرسل، وفي إسناده أيضاً من ينظر فيه-انتهى. وهذا يدل على أن في سنده مع كونه مرسلاً من هو منظور فيه. ولو تنزلنا وسلمنا أن سنده سالم من الكلام، وأن المرسل حجة لم يكن فيه دليل على نسخ الرفع عند الركوع والرفع منه؛ لأن أحاديث الرفع مثبتة، وهذا ناف، والمثبت مقدم على النافي، ولأنه لا تعارض بين الفعل والترك، فمجرد الترك لا يدل على نسخ الجواز. ولأنه يمكن التوفيق بينه وبين أحاديث الرفع بأن المعنى لم يرفعها رفعاً بالغاً فيه، فليس المراد نفي الرفع مطلقاً، بل المراد نفي الرفع المبالغ فيه. واستدلوا أيضاً بما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: لا ترفع الأيدي إلا في سبعة مواطن، تكبيرة الافتتاح- الحديث. أخرجه الطبراني عن ابن عباس مرفوعاً، وابن أبي شيبة موقوفاً عليه، وذكره البخاري في جزء رفع اليدين معلقاً عنه، وأخرجه البزار والبيهقي عن ابن عباس وابن عمر مرفوعاً وموقوفاً، وأخرجه الحاكم عنهما مرفوعاً. قلت: هو حديث ضعيف غير قابل للاحتجاج، وقد بسط الزيلعي طرقه في نصب الراية (ج1: ص 390-392) وقال بعد نقله من رواية البيهقي والحاكم: قال الشيخ في الإمام: اعترض على هذا بوجوه: أحدها: تفرد ابن أبي ليلى، وترك الاحتجاج به - لكونه سيء الحفظ -. وثانيها: رواية وكيع عنه بالوقف على ابن عباس وابن عمر. قال الحاكم: ووكيع أثبت من كل من روى هذا الحديث عن ابن أبي ليلى. وثالثها: رواية جماعة من التابعين بالأسانيد الصحيحة المأثورة عن عبد الله بن عمرو وعبد الله ابن عباس أنهما كانا يرفعان أيديهما عند الركوع وبعد رفع الرأس من الركوع، وقد أسنداه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -. ورابعها: أن شعبة قال: لم يسمع الحكم من مقسم إلا أربعة أحاديث، وليس هذا الحديث منها - فهو منقطع غير محفوظ -. وخامسها: عن الحكم قال: إن جميع الروايات "ترفع الأيدي في سبعة مواطن" وليس في شيء منها "لا ترفع الأيدي إلا فيها" ويستحيل أن يكون "لا ترفع الأيدي إلا في سبعة مواطن" صحيحاً، وقد تواترت الأخبار بالرفع في غيرها كثيراً، منها الاستسقاء ودعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -، ورفعه - عليه الصلاة والسلام - يديه في الدعاء في الصلوات، وأمره به، ورفع اليدين، والقنوت في صلاة الصبح والوتر- انتهى. وقال البخاري في جزء رفع اليدين بعد ذكر كلام شعبة المتقدم: فهو مرسل وغير محفوظ؛ لأن

الصفحة 23