كتاب مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (اسم الجزء: 3)

مع الذكر، وهي الرفع عند البداية، وتحويل الوجه عند السلام، فينبغي أن يكون حكم الانتقالات واحداً على وفق نظائرها، وحكم الطرفين واحداً. وفيه كلام من وجوه، الأول: أن المصير إلى القياس إنما يكون إذا تعارض النصان، وهو ههنا منتف لما تقدم مراراً من عدم موازاة أحاديث الترك لأحاديث الرفع، ولو سلم التعارض فالرجوع إلى القياس إنما يكون إذا لم يمكن الجمع، وأما إذا أمكن يلزم أن يجمع، وههنا العمل بكلتيهما ممكن كما حققه السندي والشيخ عبد الحي اللكنوي وغيرهم ممن لم يقل بنسخ جواز الرفع، وإذا كان الأمر كذلك فمرجع هذا الوجه ترك السنة الصحيحة الثابتة المتواترة بمجرد القياس، ولا يجتريء عليه إلا مقلد جاهل. أو عالم متعصب لرأي إمامه. والثاني: أن الشرع الذي جعل لابتداء الصلاة علامة الرفع مع الذكر قد جعل لانتقالاتها أيضاً هذه العلامة، وهذا مما لا يمكن إنكاره لأحد كائناً من كان، فالإقرار بشرعية هذه العلامة في موضع وإنكارها في موضع آخر مع أنهما ثابتان بتواتر الإسناد والعمل بعيد من العاقل. والثالث: أن القياس يقتضي ترجيح روايات الرفع في المواضع الثلاثة، أي عند الركوع، وبعد رفع الرأس منه إرادة الهوي للسجود، وعند القيام إلى الركعة الثالثة؛ ليكون حكم جميع الانتقالات واحداً. وإليه أشار الشاة ولي الله حيث قال: السر في ذلك أن رفع اليدين فعل تعظيمي، ينبه النفس على ترك الأشغال المنافية للصلاة والدخول في حيز المناجاة، فشرع ابتداء كل فعل من التعظيمات الثلاث لتنتبه النفس لثمرة ذلك الفعل مستأنفاً- انتهى. والرابع: أن قوله "فينبغي أن يكون حكم الطرفين واحداً" يقتضي أن يشرع الرفع عند السلام أيضاً ليكون الطرفان متشابهين، ولا إغراب في ذلك؛ لأن هذا من نتائج تحكيم القياس والاعتماد على الرأي مع وجود النص الصريح الصحيح. ومنها ما ذكر هذا البعض أيضاً نقلاً عن الباجي: أن كل تكبير شرع في الصلاة يكون عند عمل قرن به للانتقال من حال إلى حال، فلما لم يكن عند تكبيرة الإحرام عمل من الانتقال عن حال إلى حال قرن به رفع اليدين، كما قرن بالسلام الإشارة بالوجه والرأس لما لم يكن عنده الانتقال من حال إلى حال- انتهى. وحاصله أن مقتضى القياس أن لا يشرع الرفع مع التكبير المقرون بعمل من الانتقال من حال إلى حال لعدم الاحتياج إلى عمل الرفع مع وجود عمل الانتقال، لكون هذا العمل كافياً للدلالة على الانتقال بخلاف التكبير الغير المقرون مع عمل الانتقال، فإن عدم وجود عمل دال على الانتقال هناك يقتضي أن يشرع الرفع منه، ليكون عمل الرفع علامة الانتقال من حال إلى حال، فترك الرفع في غير الافتتاح موافق للقياس من هذه الجهة بخلاف الرفع، فيترجح الترك ورواياته على الرفع ورواياته. وفيه أن القياس الصحيح يرجح الرفع لا الترك لما تقدم أن رفع اليدين فعل تعظيمي ينبه النفس على ترك الأشغال المنافية للصلاة والدخول في حيز المناجاة، ولذلك ابتدأ به في الصلاة فينبغي أن يشرع ابتداء كل فعل من التعظيمين أيضاً به لتنتبه النفس لثمرة ذلك الفعل مستأنفاً، وليكن التعظيمات الثلاث في حكم واحد، وليتقوى العبادة بتوافق القول وعمل الجوارح. ولما تقدم أيضاً أن ترك

الصفحة 38