كتاب مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (اسم الجزء: 3)

فرجع فصلى، ثم جاء، فسلم. فقال: وعليك السلام، ارجع فصل فإنك لم تصل. فقال في الثالثة- أو في التي بعدها- علمني يا رسول الله!
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ليستا بمقصودتين، وإنما شرعتا للفصل بين الركوع والسجود، وبين السجدتين، فلا يكونان ركنين، بل الركن هو المقصود وهو الركوع والسجود، فعارضها بعسكر الفكر بأن هذا رأي في مقابلة النص المذكور فلا يسمع. كذا أفاد بحر العلوم أنار الله برهانه- انتهى كلام الشيخ عبد الحليم اللكنوي. وما نقله عن بعض السابقين قد رده أيضاً العيني بأن للخصم أن يقول: إنما سماه صلاته بحسب زعم المصلي، كما تدل عليه الإضافة، على أنه ورد في بعض الروايات: "وما نقصت شيئاً من ذلك" أي مما ذكر سابقاً، ومنه الركوع والسجود أيضًا، فيلزم أن تسمى ما لا ركوع فيه أو لا سجود فيه أيضاً صلاة بعين التقرير المذكور وإذ ليس فليس- انتهى. وقال بعض الحنفية في الجواب عن حديث أبي هريرة: إن هذا الحديث لا يدل على فرضية التعديل، بل يدل على عدم فرضيته؛ لأنه- عليه السلام - ترك الأعرابي حتى فرغ عن صلاته، ولو كان ما تركه ركناً لفسدت صلاته، فكان المضي يعد ذلك من الأعرابي عبثاً، فلا يحل له - صلى الله عليه وسلم - أن يتركه، فكان تركه دلالة منه أن صلاته جائزة إلا أنه ترك الإكمال فأمره بالإعادة زجراً عن هذه العادة. ورده العيني في البناية بأن للخصم أن يقول: كانت صلاته فاسدة ولذا أمر بالإعادة، وقال له: "لم تصل" وإنما تركه عليه لأنه ربما يهتدي إلى الصلاة الصحيحة، ولم ينكر عليه لأنه كان من أهل البادية كما شهدت به رواية الترمذي بلفظ: "إذ جاء رجل كالبدوي"، ومن المعلوم أن أهل البادية لهم جفاء وغلظ، فلو أمره ابتداء لكان يقع في خاطره شيء، وكان المقام مقام التعليم، وبالجملة لا دلالة لعدم إنكاره - عليه الصلاة والسلام - على صلاته ابتداء، وأمره بالإعادة، على ما ادعوه- انتهى. فإذا عرفت هذا كله ظهر لك أن ما ذهب إليه الجمهور هو الحق. وما ذهب إليه الحنفية ليس لهم عليه دليل صحيح، بل حديث أبي هريرة حجة صريحة عليهم. (فقال في الثالثة أو في التي بعدها) أي في المرتبة الرابعة. وفي رواية فقال في الثانية أو الثالثة، وفي أخرى ثلاثاً أي ثلاث مرات. وهذه الرواية أرجح لعدم الشك فيها. (علمني يا رسول الله) وفي رواية: والذي بعثك بالحق ما أحسن غيره فعلمني. وتوقف - صلى الله عليه وسلم - في التعليم إلى أن يسأل هو ليكون أوقع عنده، بخلاف ما لو بدأ به، وقيل: أعرض عنه أولاً لأنه أعرض عن السؤال، فكأنه عد نفسه عالماً فعامله زجراً وتأديباً له، وإرشاد إلى أنه كان اللائق به الرجوع إلى السؤال واستكشاف ما استبهم عليه، ولذا لما سأل وقال: لا أحسن، علمه، وبالجملة فليس فيه تأخير البيان عن وقت الحاجة بل تأخيره إلى وقت إظهار الحاجة ليكون أنفع. واستشكل تقريره- عليه السلام - على صلاته وهي فاسدة ثلاث مرات على القول بأن النفي للصحة، وأجيب بأنه أراد استدراجه بفعل ما جهله مرات لاحتمال أن يكون فعله ناسياً أو غافلاً، فيتذكر فيفعله من غير تعليم، فليس من باب التقرير على الخطأ بل من باب تحقق الخطأ، ويحتمل أن يكون ترديده لتفخيم الأمر وتعظيمه عليه، ورأى أن الوقت لم يفته فرأى إيقاظ الفطنة للمتروك. وقال ابن دقيق العيد: التقرير

الصفحة 4