كتاب مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (اسم الجزء: 3)

وقال: سمع الله لمن حمده
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وابن القطان حديث الرفع في كل خفض ورفع، وأعله الجمهور-انتهى. ولا تعارض بين رواية الرفع في المواضع الأربعة ورواية الرفع في المواضع الثلاثة؛ لأن الأولى مشتملة على زيادة رواها الثقة العدل غير منافية للرواية الثانية، وأيضاً لها شواهد فيجب قبولها. قال الحافظ: أبعد من استدل برواية سالم على ضعف رواية نافع. والحق أنه ليس بين روايتي نافع وسالم تعارض؛ بل رواية نافع زيادة لم ينفها سالم، وستأتي الإشارة إلى أن سالماً أثبتها من وجه آخر-انتهى. وأما رواية مالك في موطأه بالاقتصار على الرفع عند رفع الرأس من الركوع فهي وهم منه. قال الزيلعي بعد ذكر رواية مالك هذه من الموطأ: هكذا - أى بعدم ذكر الرفع في الركوع - وقع في رواية يحيى بن يحيى، وتابعه على ذلك جماعة من رواة الموطأ منهم: يحيى بن بكير، والقعنبي، وأبومصعب، وابن أبي مريم، وسعيد بن عفير، ورواه ابن وهب، وابن القاسم، ومعن بن عيسى، وابن أبي أويس عن مالك؛ فذكروا فيه الرفع في الركوع، وكذلك رواه جماعة من أصحاب الزهري عن الزهري، وهو الصواب. ذكر ذلك أبوعمر بن عبد البر في كتاب التقصي، وقال في التمهيد: وذكر جماعة من أهل العلم أن الوهم في إسقاط الرفع من الركوع إنما وقع من جهة مالك: فإن جماعة حفاظاً رووا عنه الوجهين جميعاً-انتهى. وكذلك قال الدارقطني في غرائب مالك: أن مالكاً لم يذكر في الموطأ الرفع عند الركوع، وذكره في غير الموطأ، حدث به عشرون نفراً من الثقات الحفاظ منهم محمد بن الحسن الشيباني، ويحيى بن سعيد القطان، وعبد الله بن المبارك، وعبد الرحمن بن مهدي، وابن وهب وغيرهم، ثم أخرج أحاديثهم عن عشرين رجلاً ... الخ. وأما رواية الدارقطني بلفظ: "ولا يرفع بعد ذلك" فهي لا تعارض رواية البخاري وغيره ممن رواها بزيادة الرفع في الموطن الرابع؛ لأنها أصح وأقوى، ولأنها مثبتة فتقدم على النافية، ولأنها نص والنص يقدم على الظاهر عند التعارض. وأما الاختلاف الرابع فالراجح فيه رواية سالم بعدم الفرق بين مقدار الرفعات؛ لأنها صحيحة مرفوعة بخلاف رواية الفرق، فإنها موقوفة على ابن عمر من فعله، ومن المعلوم أن العبرة لما روى الراوي لا لما رأى وعمل به؛ على أنه اختلفت الرواية في بيان عمله كما تقدم، ورواية من روى موافقة عمله لروايته أرجح من رواية من روى عنه مخالفته من حيث النظر، وأيضاً قد أشار أبوداود إلى غرابة رواية الفرق. وأما الاختلاف الثالث فالراجح فيه ما روي عنه من الرفع في المواضع الأربعة، وهي عند البخاري في صحيحه، وأما ما روي عنه من الاقتصار على الرفع في التحريمة فهو ضعيف جداً، وقد تقدم البسط فيه فتذكر. ورواية الرفع عند السجدة وبين الركعتين لا تعارض ما رواه هو مرفوعاً بلفظ: "ولا يفعل ذلك حين يسجد، ولاحين يرفع رأسه من السجود"؛ لأن العبرة لما رواه لا لما رأى وعمل به. وهذا ظاهر والله أعلم. (وقال: سمع الله لمن حمده) معناه قبل حمد من حمد. واللام في "لمن" للمنفعة، والهاء في "حمده" للكناية. وقيل: للسكتة والاستراحة، ذكره ابن الملك. وقال الطيبي: أي أجاب حمده وتقبله. يقال: اسمع دعائي أي أجب؛

الصفحة 47