كتاب مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (اسم الجزء: 3)

فأحرق عليهم بيوتهم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الجماعة من غير عذر. قال المؤلف: وليس في الصحيح في هذه الرواية لا يشهدون الصلاة بل في رواية أخرى، نقله الطيبي. قلت: هذا اعتراض من صاحب المشكاة على البغوي حيث ذكر سياق الحديث في المصابيح بلفظ: ثم أخالف إلى رجال لا يشهدون الصلاة الخ، فإن الظاهر منه أن قوله: لا يشهدون الصلاة، موجود في الرواية التي ساق البغوي لفظها، مع أن هذا اللفظ ليس في هذه الرواية بل في رواية أخرى، فكان عليه أن ينبه على ذلك، ويقول بعد قوله إلى رجال. وفي رواية. لا يشهدون الصلاة، كما قال المؤلف. وهذا الاعتراض متجه عندي كما لا يخفى، وفي رواية لأي داود: ثم آتى قوماً يصلون في بيوتهم ليست بهم علة، فيكون الوعيد على ترك الجماعة بغير عذر لا على ترك الصلاة، وفيه دلالة على أن الأعذار تبيح التخلف عن الجماعة، ولو قلنا إنها فرض، وكذا الجمعة. (فأحرق) بتشديد الراء وفتح القاف وضمها كسابقه، وهو مشعر بالتكثير والمبالغة في التحريق. (عليهم) أي على المتخلفين عن الجماعة. (بيوتهم) بالنار عقوبة لهم، وفيه إشعار بأن العقوبة ليست قاصرة على المال، بل المراد تحريق المقصودين وبيوتهم، وفي رواية لمسلم: ثم تحرق بيوتاً على من فيها. والحديث قد استدل به لأحمد ومن وافقه على أن الجماعة واجبة وجوب عين، وهو من أوضح أدلة القائلين بالوجوب. قال الحافظ في الفتح: الحديث ظاهر في كون الجماعة فرض عين؛ لأنها لو كانت سنة لم يهدد تاركها بالتحريق، ولو كانت فرض كفاية لكانت قائمة بالرسول ومن معه. وأجاب الجمهور عنه بأجوبة: الأول أن نفس الحديث يدل على خلاف المدعى وهو عدم الوجوب، لكونه - صلى الله عليه وسلم - هم بالتوجه إلى المتخلفين، فلو كانت الجماعة فرض عين ما هم بتركها إذا توجه. وتعقب بأن الواجب يجوز تركه لما هو أوجب منه، وبأن تركها لحال التحريق لا يستلزم الترك مطلقاً؛ لإمكان أن يتداركها في جماعة آخرين قبل التحريق أو بعده. والثاني أن الخبر ورد مورد الزجر، وحقيقة غير مرادة، وإنما المراد المبالغة، ويرشد إلى ذلك وعيدهم بالعقوبة التي يعاقب بها الكفار، وقد انعقد الإجماع على منع عقوبة المسلمين بذلك. وأجيب بأن ذلك وقع قبل تحريم التعذيب بالنار، فحمل التحديد على حقيقته غير ممتنع، على أنه لو فرض أن هذا التواعد وقع بعد التحريم لكان مخصصاً له، فيجوز التحريق في عقوبة تارك الصلاة بالجماعة. والثالث كونه - صلى الله عليه وسلم - ترك تحريقهم بعد التهديد، فلو كان واجباً ما عفا عنهم. وتعقب بأنه لا يهمّ إلا بما يجوز له فعله لو فعله، والترك لا يدل على عدم الوجوب لاحتمال أن يكونوا انزجروا بذلك وتركوا التخلف الذي ذمهم بسببه، على أنه جاء في رواية لأحمد بيان سبب الترك، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: لولا ما في البيوت من النساء والذرية أقمت صلاة العشاء وأمرت فتياني يحرقون ما في البيوت بالنار، وسيأتي هذا الحديث. والرابع أن التهديد لقوم تركوا الصلاة رأساً لا مجرد الجماعة. وتعقب بما تقدم من رواية أبي داود بلفظ:

الصفحة 484