كتاب مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (اسم الجزء: 3)
ثم آتي قوماً يصلون في بيوتهم ليست بهم علة، وبقوله: لا يشهدون الصلاة بمعنى لا يحضرون الجماعة، وفي رواية عند أحمد: لا يشهدون العشاء في الجميع أي في الجماعة، وفي حديث أسامة بن زيد عند ابن ماجه مرفوعاً: لينتهين رجال عن تركهم الجماعات أو لأحرقن بيوتهم. والخامس أن الحديث ورد في الحث على مخالفة فعل أهل النفاق والتحذير من التشبه بهم، لا لخصوص ترك الجماعة، فلا يتم الدليل، وهو قريب من الوجه الثاني. والسادس أن الحديث ورد في حق المنافقين خاصة، فليس التهدد على ترك الجماعة بخصوصه، فلا يتم الدليل. وتعقب باستبعاد الاعتناء بتأديب المنافقين على تركهم الجماعة، مع العلم بأنه لا صلاة لهم، وبأنه - صلى الله عليه وسلم - كان معرضاً عنهم وعن عقوبتهم مع علمه بطويتهم، وقال: لا يحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه. وتعقب هذا التعقب بأنه لا يتم إلا أن ادعى أن ترك معاقبة المنافقين كان واجباً عليه ولا دليل على ذلك، فإذا ثبت أنه كان مخيراً فليس في إعراضه عنهم ما يدل على وجوب ترك عقوبتهم. قال الحافظ: والذي يظهر لي أن الحديث ورد في المنافقين، لقوله في رواية من حديث أبي هريرة هذا عند الشيخين: ليس صلاة أثقل على المنافقين من العشاء والفجر- الحديث. لكن المراد به نفاق المعصية لا نفاق الكفر، يدل على ذلك ما في رواية أبي داود: ويصلون في بيوتهم ليست بهم علة، ففيه دليل على أن نفاقهم نفاق معصية لا كفر؛ لأن الكافر لا يصلي في بيته إنما يصلي في المسجد رياء وسمعة، فإذا خلا في بيته كان كما وصفه الله به من الكفر والاستهزاء، وأيضاً قوله في رواية أحمد: لولا ما في البيوت من النساء والذرية، يدل على أنهم لم يكونوا كفاراً؛ لأن تحريق بيت الكافر إذا تعين طريقاً إلى الغلبة عليه لم يمنع ذلك وجود النساء والذرية في بيته، وعلى تقدير أن يكون المراد بالنفاق في الحديث نفاق الكفر فلا يدل على عدم الوجوب؛ لأنه يتضمن أن ترك الجماعة من صفات المنافقين، وقد نهينا عن التشبه بهم، وسياق الحديث يدل على عدم الوجوب من جهة المبالغة في ذم من تخلف عنها. قال الطيبي: خروج المؤمن من هذا الوعيد ليس من جهة أنهم إذا سمعوا النداء جاز لهم التخلف عن الجماعة، بل من جهة أن التخلف ليس من شأنهم وعادتهم، وأنه مناف لأحوالهم؛ لأنه من صفات المنافقين، ولو دخلوا في هذا الوعيد ابتداء لم يكن بهذه المثابة. ويعضده ما روي عن ابن مسعود من قوله: لقد رأيتنا وما يتخلف عن الجماعة إلا منافق قد علم نفاقه، رواه مسلم- انتهى كلامه. لا يقال: فهذا يدل على ما ذهب إليه صاحب هذا الوجه. (السادس) لأنتفاء أن يكون المؤمن قد تخلف، وإنما ورد الوعيد في حق م تخلف؛ لأني أقول: بل هذا يقوي ما ظهر لي أولاً أن المراد بالنفاق نفاق المعصية لا نفاق الكفر، فعلى هذا الذي خرج هو المؤمن الكامل لا العاصي الذي يجوز إطلاق النفاق عليه مجازاً لما دل عليه مجموع الأحاديث- انتهى كلام الحافظ. والسابع أن فريضة الجماعة كانت في أول
الصفحة 485
567