كتاب مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (اسم الجزء: 3)
والذي نفسي بيده، لو يعلم أحدهم أنه يجد عرقاً سميناً، أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء))
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الإسلام لأجل سد باب التخلف عن الصلاة على المنافقين ثم نسخ، حكاه عياض. قال الحافظ: ويمكن أن يتقوى بثبوت نسخ الوعيد المذكور في حقهم، وهو التحريق بالنار، وكذا ثبوت نسخ ما يتضمنه التحريق من جواز العقوبة بالمال- انتهى. قال النووي: أجمع العلماء على منع العقوبة بالتحريق في غير المتخلف عن الصلاة والغال في الغنيمة، واختلف السلف فيهما، والجمهور على منع تحريق متاعهما- انتهى. هذا، وههنا وجوه أخرى للجواب عن هذا الحديث تركناها للاختصار، وأقرب الأجوبة عندي هو الوجه الثاني، يني أن الحديث خرج مخرج الزجر لا الحقيقة، وإنما المراد المبالغة بدليل أنه لم يفعله - صلى الله عليه وسلم -، ولا دليل على أنهم انزجروا وتركوا التخلف، وكان يمكن له - صلى الله عليه وسلم - أن يحرق ما في بيوتهم بعد إخراج النساء والذرية منها. (والذي نفسي بيده) أعاد القسم للمبالغة في التأكيد. (لو يعلم أحدهم) أي الذين لا يشهدون الصلاة. (أنه يجد) أي في المسجد. (عرقاً) بفتح العين المهملة وسكون الراء وبالقاف، العظم الذي عليه بقية لحم. قال الطيبي: العرق بالسكون العظم الذي أخذ منه اللحم أي معظمه وبقي عليه لحم رقيق، يقال: عرقت العظم إذا أخذت أكثر ما عليه من الحم نهشاً. وفي المحكم عن الأصمعي: العرق بسكون الراء قطعة لحم، قيل هو اللائق هنا، وقيل: الأول لأنه أشد مبالغة في إظهار الخساسة المقصودة. ولفظ الموطأ والنسائي عظماً قيل هو أنسب للوصف بقوله: (سميناً) قال ابن حجر قيد به؛ لأن العظم السمين فيه دسومة قد يرغب في مضغه لأجلها. (أو مرماتين) تثنية مرماة بكسر الميم وقد تفتح، ظلف الشاة أو ما بين ظلفيها من اللحم، قاله الخليل. وكذا قال البخاري فيما نقله المستملي في روايته في كتاب الأحكام عن الفربري. قال عياض: فالميم على هذا أصلية، وقال الأخفش: المرماة لعبة كانوا يلعبونها بنضال محددة يرمونها في كوم من تراب، فأيهم أثبتها في الكوم غلب، وهي المرماة والمدحاة، قيل: ويبعد أن تكون هذه مراداً لحديث لأجل التثنية. وحكى الحربي عن الأصمعي: أن المرماة سهم الهدف، وقال ويؤيده ما روى عن أبي رافع عن أبي هريرة بلفظ: لو أن أحدهم إذا شهد الصلاة معي كان له عظم من شاة سمينة أو سهمان لفعل. وقيل: المرماة سهم يتعلم عليه الرمي، وهو سهم دقيق مستو غير محدد، وهو أحقر السهام وأرذلها. قال الزين بن المنير: ويدل على ذلك التثنية فإنها مشعرة بتكرر الرمي، بخلاف السهام المحددة الحربية فإنها لا يتكرر رميها. وقال الزمخشري: تفسير المرماة بالسهم ليس بوجيه، ويدفعه ذكر العرق معه، ووجهه ابن الأثير بأنه لما ذكر العظم السمين وكان مما يؤكل أتبعه بالسهمين؛ لأنهما مما يتلهى به- انتهى. (حسنتين) بفتحتين أي جيدتين. قال الحافظ: إنما وصف العرق بالسمن والمرماة بالحسن ليكون ثم باعث نفساني على تحصيلهما. (لشهد العشاء) أي صلاتها، فالمضاف محذوف، والمعنى لو علم أنه لو حضر الصلاة يجد نفعاً دنيوياً وإن كان خسيساً
الصفحة 486
567