كتاب مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (اسم الجزء: 3)
يرخص له فيصلي في بيته، فرخص له، فلما ولى دعاه، فقال: هل تسمع النداء بالصلاة؟ قال نعم. قال: فأجب)) رواه مسلم.
1062- (4) وعن ابن عمر: ((أنه أذن بالصلاة في ليلة ذات برد وريح،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يرخص له) أي في ترك الجماعة في المسجد. (فيصلي في بيته) إما جماعة أو منفرداً. (فرخص له) أولا. (فلما ولى) أي رجع وأدبر (هل تسمع النداء بالصلاة) أي التأذين بها. (فأجب) أمر من الإجابة أي أجب النداء واتبعه بالفعل، يعني فأت الجماعة، قيل: الترخيص في أول الأمر اجتهاد منه - صلى الله عليه وسلم -، والأمر بالإجابة بوحي جديد من الله تعالى نزل في الحال، أو أنه تغير اجتهاده - صلى الله عليه وسلم - إذا قلنا بالصحيح، وقول الأكثرين أنه يجوز له الاجتهاد. وقيل: أطلق له الجواب أي رخص له أولاً مطلقاً ثم قيده بقيد عدم سماع النداء، ومفهومه أنه إذا لم يسمع النداء كان ذلك عذراً له، وإذا سمعه لم يكن له عذر من الحضور. وقيل الترخيص أولاً باعتبار العذر, والأمر بالإجابة للندب، فكأنه قال: الأفضل لك والأعظم لأجرك أن تجيب وتحضر فأجب، ويدل لكون الأمر للندب مع العذر حديث ابن عباس الآتي في الفصل الثاني، والحديث ظاهر في وجوب الجماعة وجوب عين، فيأثم المصلي بتركها. وأجاب الجمهور عن ذلك بأنه سأل هل له رخصة في أن يصلي في بيته وتحصل له فضيلة الجماعة بسبب عذره، فقيل لا. ويؤيد ها أن حضور الجماعة يسقط بالعذر بإجماع المسلمين، ومن جملة العذر العمى إذا لم يجد قائداً، كما في حديث عتبان بن مالك في الصحيحين أنه رخص له حيث شكا بصره أن يصلي في بيته. وتعقب بأن هذا التأويل ضعيف، لما تقدم أن المعذور لا ينقص أجره عما يفعله لولا العذر، كما يدل عليه حديث أبي موسى. وما ادعى أحد أن الجماعة فرض عين مع وجود العذر أيضاً، فتدبر. وحمل بعضهم حديث العمى على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - علم منه أنه يمشي بلا قائد لحذقه وذكائه كما هو مشاهد في بعض العميان يمشي بلا قائد، لاسيما إذا كان يعرف المكان قبل العمي أو بتكرر المشي إليه يستغنى عن القائد. وأجاب بعضهم بأن الدعوى وجوب الجماعة في المسجد عيناً سمع النداء أو لم يسمع، والحديث إنما يدل على وجوب الجماعة عيناً على من سمع النداء فقط لا مطلقاً، وهو أخص من الدعوى، فلا يتم التقريب. (رواه مسلم) وأخرجه أيضاً النسائي والبيهقي وغيرهما.
1062- قوله: (وعن ابن عمر أنه أذن) عبارة البخاري هنا عن نافع أن ابن عمر أذن، وفي باب الأذان للبخاري أيضاً قال: (أي نافع) أذن ابن عمر، وهذا صريح في أن أذن على صيغة المعروف. (في ليلة ذات برد) بسكون الراء. (وريح) وكان ابن عمر إذ ذاك مسافراً فأذن في ليلة باردة بضجنان كما في رواية للبخاري، وهو
الصفحة 488
567