كتاب مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (اسم الجزء: 3)

نفسه بالدعاء دونهم، فإن فعل ذلك فقد خانهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
للجواب. وقال المناوي: منصوب بأن المقدرة لوروده بعد النفي على حد: {لا يقضي عليهم فيموتوا} . قيل: ويجوز الرفع عطفاً على لا يؤم. (نفسه) مفعول ليخص. (بالدعاء دونهم) أي دون مشاركتهم في دعائه. (فإن فعل ذلك فقد خانهم) وفي المصابيح: فإن فعل فقد خانهم أي بدون لفظ ذلك، وكذا في أبي داود وجامع الأصول. قال الطيبي: نسب الخيانة إلى الإمام؛ لأن شرعية الجماعة ليفيض كل من الإمام والمأموم الخير على صاحبه ببركة قربه من الله تعالى، فمن خص نفسه فقد خان صاحبه. قال القاري: وإنما خص الإمام بالخيانة فإنه صاحب الدعاء، وإلا فقد تكون الخيانة من جانب المأموم، وفيه دليل على كراهة أن يخص الإمام نفسه بالدعاء في الصلاة ولا يشارك المأمومين فيه، فإن قلت: قد ثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يدعو في صلاته وهو إمام بلفظ الأفراد، كما في دعاء الافتتاح والركوع والسجود والتشهد وغير ذلك. قلت: ذكروا في دفع هذا الاختلاف وجوهاً: منها ان حديث ثوبان هذا موضوع. قال ابن خزيمة في صحيحه وقد ذكر حديث: اللهم باعد بيني وبين خطاياى-الحديث. قال في هذا دليل على رد الحديث الموضوع: لا يؤم عبد قوماً فيخص نفسه بدعوة دونهم، فإن فعل فقد خانهم، حكى ذلك عنه ابن القيم في زاد المعاد. وفيه أن الحكم على هذا الحديث بأنه موضوع ليس بصحيح، بل هو حسن كما سيأتي. ومنها أنه مختص بالقنوت ونحوه. قال ابن القيم سمعت شيخ الاسلام ابن تيمية يقول: هذا الحديث عندي في الدعاء الذي يدعو به الإمام لنفسه وللمأمومين ويشتركون فيه كدعاء القنوت ونحوه - انتهى. وقال العزيزي: هذا في دعاء القنوت خاصة بخلاف دعاء الافتتاح والركوع والسجود والجلوس بين السجدتين والتشهد - انتهى. ولذلك استحب الشافعية والحنابلة للإمام أن يقول في دعاء القنوت المروي عن الحسن بن علي: اللهم اهدنا فيمن هديت، بضمير الجمع مع أن المشهور في حديثه: اللهم اهدني بإفراد الضمير، إلا في روية للبيهقي في قنوت الصبح، فإن فيها اللهم اهدنا بضمير الجمع. ومنها أن معناه تخصيص نفسه بالدعاء في الصلاة والسكوت عن المقتدين. ومنها أن المراد نفيه عنهم كارحمني محمداً ولا ترحم معنا أحداً، ولا شك أن هذا ممنوع. ومنها أن المراد بالتخصيص المنهي عنه هو أن ينوي الإمام بالأدعية الواردة بلفظ الإفراد نفسه خاصة ولا ينوي بها العموم والشمول لنفسه وللمقتدين. قال شيخنا في شرح الترمذي: قول الشافعية وغيرهم أنه يستحب للإمام أن يقول: اللهم اهدنا بجمع الضمير فيه أنه خلاف المأثور، والمأثور إنما هو بإفراد الضمير، فالظاهر أن يقول الإمام بإفراد الضمير أي في دعاء القنوت وغيره كما ثبت لكن لا ينوي به خاصة نفسه، بل ينوي به العموم والشمول لنفسه ولمن خلفه من المقتدين - انتهى. قد ورد دعاء القنوت بضمير الجمع من حديث ابن عباس عند البيهقي في السنن الكبرى (ج2: ص210)

الصفحة 515