كتاب مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (اسم الجزء: 3)

وما يتخلف عن الصلاة إلا منافق قد علم نفاقه، أو مريض. إن كان المريض ليمشي بين رجلين حتى يأتي الصلاة. وقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علمنا سنن الهدى، وإن من سنن الهدى الصلاة في المسجد الذي يؤذن فيه. وفي رواية قال: من سره أن يلقى الله غداً مسلماً، فليحافظ على هذه الصلوات الخمس، حيث ينادي بهن فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكن صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والضمير الراجع إلى المفعول الأول محذوف- انتهى. وقال في أشعة اللمعات: كفت ابن مسعود هر آئينه بتحقيق دانستم خودرا وصحابه ديكر راكه حكم ميكرديم باين كه بس نمى ماند از نماز باجماعت مكر منافقي كه بتحقيق معلوم بود وظاهر بود نفاق وى. وقال الطيبي: قد تقرر أن إتحاد الفاعل والمفعول إنما يسوغ في أفعال القلوب وأنها من داخل المبتدأ والخبر، والمفعول الثاني الذي هو بمنزلة الخبر محذوف ههنا، وسد قوله: (وما يتخلف عن الصلاة) أي بالجماعة من غير عذر وهو حال مسده وتبعه ابن حجر، لكن في كون إتحاد الفاعل والمفعول ههنا بحث، إذ المراد بالفاعل المتكلم وحده وبالمفعول هو وغيره، قاله القاري. (إلا منافق قد علم نفاقه) فيه حجة لمن خص التواعد بالتحريق بالنار المتقدم في حديث أبي هريرة بالمنافقين المبطنين للكفر المظهرين للإسلام، وتقدم هناك أن الحافظ حمله على المنافقين نفاق المعصية لا نفاق الكفر. قال الشمني: ليس المراد بالنفاق ههنا من يبطن الكفر ويظهر الإسلام وإلا لكانت الجماعة فريضة؛ لأن من يبطن الكفر كافر ولكان آخر الكلام مناقضاً لأوله، وفيه أن مراده أن النفاق سبب التخلف لا عكسه وأن الجماعة واجبة على الصحيح لا فريضة للدليل الظني وأن المناقضة غير ظاهر، قاله القاري. (إن كان) إن مخففة من الثقيلة. (المريض ليمشي بين رجلين) أي يتوكأ عليهما لشدة ما به من قوة المرض وضعف البدن. (وقال) أي ابن مسعود. (علمنا سنن الهدى) روى بضم السين وفتحها حكاهما القاضي وهما بمعنى متقارب أي طرائق الهدى والصواب، ولم يرد السنة المتعارفة بين الفقهاء. (وإن من سنن الهدى الصلاة) أي بالجماعة كما هو صريح السياق. (في المسجد الذي يؤذن فيه) لإمام معين أو غير معين. (مسلماً) أي كاملا. (حيث ينادي بهن) أي في المساجد مع الجماعات. (وإنهن) أي الصلوات الخمس بالجماعة. (ولو أنكم صليتم في بيوتكم) يعني ولو جماعة. (كما يصلي هذا المتخلف) قال الطيبي: تحقير للمتخلف وتبعيد عن مظان الزلفى، كما أن اسم الإشارة في قوله الآتي هذه المساجد ملوح على تعظيمها وبعد مرتبتها في الرفعة. (ولو تركتكم سنة نبيكم لضللتم) قال الطيبي: يدل على أن المراد بالسنة العزيمة. قال ابن الهمام:

الصفحة 519