كتاب مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (اسم الجزء: 3)

ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى تستوي قائماً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع حتى تطمئن جالساً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع حتى تطمئن جالساً)) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ظاهره الإطلاق والتخيير، والمراد منه فاتحة الكتاب لمن أحسنها لا يجزيه غيرها بدليل قوله: "لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب"، وهذا في الإطلاق كقوله تعالى: {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي} [2: 196] ثم كان أقل ما يجزئ من الهدي معيناً معلوم المقدار ببيان السنة وهو الشاة - انتهى. وقال صاحب فيض الباري (ج2: ص299) : تمسك الحنفية به على عدم ركنية الفاتحة ليس بصحيح، لأن الفاتحة وإن لم تكن ركناً لكنها واجبة عندنا أيضاً، والسياق سياق التعليم، فلو فرضنا أنه لم يعلمه الفاتحة يلزم درج كراهية التحريم في سياق التعليم، ولا يجوز أصلاً مع أنها مذكورة في حديث رفاعة صراحة، وإن كانت مجملة في حديث أبي هريرة. ثم أقول: إن قوله هذا كان لكون الرجل بدوياً أعرابياً لا يدري أنه كان عنده شيء من القرآن أم لا، وحينئذٍ ينبغي أن يكون التعبير هكذا، ولذا قال: وإلا فاحمد الله وكبره، فدل على أنه كان ممن لا يستبعد منه أن لا يكون عنده قرآن أصلاً. وإذا لا يلائمه أن يأمره بالفاتحة والسورة تفصيلاً، وإنما أليق بحالة الإجمال فيقرأ بما يقدر. (ثم اركع حتى تطمئن راكعاً) حال مؤكدة، وقيل مقيدة. وفيه دليل على ما ذهب إليه الشافعي وأبويوسف من افتراض الطمأنينية في الركوع وهو الحق. (ثم ارفع) أي رأسك (حتى تستوي) أى تعتدل (قائماً) في رواية ابن ماجه: حتى تطمئن قائماً. وهي على شرط مسلم، وقد أخرجها السراج أيضاً بإسناد على شرط البخاري، فهي على شرط الشيخين، وهذه الروايات تدل على افتراض رفع الرأس من الركوع، وعلى افتراض الاستواء أي الاعتدال في الرفع، وعلى افتراض الاطمئنان في القومة، أي عند الاعتدال من الركوع، وإليه ذهب الشافعي وأبويوسف، وهو الصواب (ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً) فيه دليل على فرضية الطمأنينة في السجود، وقد فصلتها رواية النسائي من حديث رفاعة بلفظ: ثم يكبر ويسجد حتى يمكن وجهه وجبهته حتى تطمئن مفاصله وتسترخي. (ثم ارفع) أي رأسك من السجود (حتى تطمئن جالساً) أي بعد السجدة الأولى، وهي حال مؤسسة. وفيه دليل على افتراض القعود بين السجدتين. وفي رواية النسائي المذكورة: "ثم يكبر فيرفع رأسه حتى يستوي قاعداً على مقعدته ويقيم صلبه". (ثم اسجد) أي الثانية (حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع حتى تطمئن جالساً) أي للاستراحة. قال الطيبي: كلمة حتى في هذه القرائن لغاية ما يتم به الركن، فدلت على أن الطمأنينة داخلة فيه، والمنصوب حال مؤكدة -انتهى. والحديث يدل آخره على إيجاب جلسة الاستراحة، ولكنه لم يقل به أحد على أنه قد أشار البخاري إلى أنه – أى قوله الأخير حتى تطمئن جالساً – وهم، فإنه عقبه بأن قال: قال أبوأسامة (حماد بن أسامة مما وصله في كتاب الأيمان والنذور) في (اللفظ) الأخير (وهو حتى تطمئن جالساً) حتى تستوي قائماً. وقال القسطلاني: أراد البخاري بهذه الإشارة إلى أن راوي الأولى- وهو ابن نمير – خولف، وأن الثانية عنده أرجح. وقال الحافظ: كلام البخاري

الصفحة 6