كتاب مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (اسم الجزء: 4)

1092- (2) وعن أنس، قال: ((أقيمت الصلاة، فأقبل علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بوجهه، فقال: أقيموا صفوفكم وتراصوا، فإني أراكم من وراء ظهري)) رواه البخاري. وفي المتفق عليه قال: ((أتموا الصفوف، فإني أراكم من وراء ظهري)) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أيضاً أحمد والترمذي وأبوداود والنسائي وابن ماجه والبيهقي (ج3:ص100) و (ج2: 21) كلهم من طريق سماك عن النعمان بن بشير. وأخرج البخاري ومسلم والبيهقي من طريق سالم بن أبي الجعد عن النعمان بن بشير الفصل الأخير منه، ولأحمد وأبي داود في رواية. والبيهقي قال: فرأيت الرجل يلزق كعبه بكعب صاحبه، وركبته بركتبه، ومنكبه بمنكبه.
1092- قوله: (أقيمت الصلاة) أىأقام المؤذن للصلاة. (فأقبل علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بوجهه) أي التفت إلينا بعد إقامة المؤذن. (أقيموا صفوفكم) أي عدلوها وسووها، يقال: أقام العود إذا عدله وسواه. (وتراصوا) بضم الصاد المهملة المشددة. وأصله تراصصوا، أي تضاموا وتلاصقوا حتى تتصل مناكبكم وأقدامكم في الصف، ولا يكون بينكم خلل وفرج، من رص البناء ألصق بعضه ببعض. ومنه قوله تعالى {كأنهم بنيان مرصوص} [4:61] . وفيه جواز الكلام بين الاقامة والدخول في الصلاة، وفيه أن تسوية الصف واجبة. (فإني أراكم من وراء ظهري) أي من خلف ظهري. والفاء فيه للسببية، أشار به إلى سبب الأمر بذلك، أي إنما أمرت بذلك؛ لأني تحققت منكم خلافه. وقد تقدم القول في المراد بهذه الرؤية في باب الركوع، وأن المختار حملها على الحقيقة خلافاً لمن زعم أن المراد بها خلق علم ضروري له بذلك، ونحو ذلك قال الزين بن المنير: لا حاجة إلى تأويلها؛ لأنه في معنى تعطيل لفظ الشارع من غير ضرورة. وقال القرطبي: حملها علىظاهرها أولى؛ لأن فيه زيادة في كرامة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفيه مراعاة الإمام لرعيته والشفقة عليهم وتحذيرهم من المخالفة. (رواه البخاري) أي بهذا اللفظ في باب إقبال الإمام على الناس عند تسوية الصفوف. وأخرج مسلم بنحوه، وأخرجه البيهقي (ج2:ص21) بلفظ البخاري. (وفي المتفق عليه) ظاهر هذا أن الشيخين اتفقا على إخراج الحديث بهذا اللفظ. وفيه نظر؛ لأن قوله: "أتموا الصفوف" من إفراد مسلم، وقوله: "فإني أراكم من وراء ظهري" من إفراد البخاري، وسياق الحديث عند مسلم: "أتموا الصفوف فإني أراكم خلف ظهري". والظاهر أن المصنف أخذ قوله أتموا الصفوف من رواية مسلم، وقوله: فإني أراكم من وراء ظهري، من رواية البخاري، فجعل مجموعهما حديثاً متفقاً عليه. ولا يخفى ما فيه. ولعله تبع في ذلك الجزري، حيث نسب هذه الرواية الثانية في جامع الأصول (ج6:ص393) إلى البخاري ومسلم. (أتموا) أي أيها الحاضرون لأداء الصلاة معي. (الصفوف) أي الأول فالأول. (فإني أراكم) رؤية حقيقية. (من وراء ظهري) أي من خلفه كما أراكم من بين يدي. قيل: الفرق بين قوله: إني أراكم من

الصفحة 4