كتاب مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (اسم الجزء: 5)
متفق عليه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الأخيرة، أي معهم ليحصل لهم فضيلة التسليم معه - صلى الله عليه وسلم -، كما حصل للطائفة الأولى فضيلة التحريم معه - صلى الله عليه وسلم -، وقد صلى كل طائفة ركعة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وركعة لأنفسهم وحداناً، وهذه الكيفية اختارها الشافعي وأحمد، وقال مالك: يتشهد الطائفة الثانية مع الإمام، فإذا سلم الإمام قاموا فقضوا ما فاتهم كالمسبوق، واستدل بحديث القاسم بن محمد عن صالح بن خوات عن سهل بن أبي حثمة، قال ابن قدامة: والأول أولى لقول الله تعالى: {ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك} [النساء: 102] ، وهذا يدل على أن صلاتهم كلها معه، ولأنه روي أنه - صلى الله عليه وسلم - سلم بالطائفة الثانية، ولأن الأولى أدركت معه فضيلة الإحرام، فينبغي أن يسلم بالثانية ليسوي بينهم، ثم ذكر مذهب أبي حنيفة، ثم قال: ولنا ما روى صالح بن خوات عمن صلى مع النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم ذات الرقاع صلاة الخوف، فذكر الحديث وقال: العمل بهذا أولى؛ لأنه أشبه بكتاب الله تعالى وأحوط للصلاة والحرب، أما موافقة الكتاب فإن قول الله تعالى: {ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك} يقتضي أن جميع صلاتها معه، وعند أبي حنيفة تصلى معه ركعة فقط، وعندنا جميع صلاتها معه، إحدى الركعتين توافقه في أفعاله وقيامه، والثانية تأتي بها قبل سلامه ثم تسلم معه ومن مفهوم قوله: لم يصلوا، أن الطائفة الأولى قد صلت جميع صلاتها، وعلى قولهم لم تصل إلا بعضها – انتهى. قلت: الظاهر أن الله تعالى ذكر في الآية صفة الركعة الأولى وسكت عن حال الركعة الثانية، وكانت هي موضع الفصل، وفعل ذلك للتوسع والمتبادر من تعبير صلاة الطائفة الأولى بالسجدة في قوله: {فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم} أنهم بعد أداء الركعة ينصرفون إلى وجه العدو ولا يتمون لأنفسهم الركعة الأخرى، ولو أتموها لأطلق عليها الصلاة، فذكر لفظ السجدة يؤيد الحنفية في أن الطائفة الأولى تنصرف إلى وجه العدو بعد الركعة؛ لأنه يدل على عدم تمام صلاتها، وعلى مذهب الشافعية ومن وافقهم كان الأولى أن يقال: فإذا صلوا، والمتبادر من ذكر لفظ الصلاة في ذكر الطائفة الثانية في قوله: {ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك} أنهم يتمون لأنفسهم في ذلك المكان، وهذا أوفق للشافعية، فحملوا قوله: فإذا سجدوا، على معنى: فإذا فعلوا، بقرينة قوله: فليصلوا، وحملت الحنفية قوله: فليصلوا، على معنى فليسجدوا، لقوله: فإذا سجدوا، وقد ظهر من هذا أن الآية لا توافق واحداً من المذهبين بتمامه للإجمال في حال الركعة الثانية، نعم تنطبق على الصفة المذكورة في حديث ابن مسعود، فإن حاصلها أن الطائفة الأولى تذهب إلى وجه العدو بعد ركعة، وتجيء الطائفة الأخرى فتصلي مع الإمام ركعة ثم تتم لنفسها ركعة أخرى هناك ثم ترجع إلى وجه العدو، وهذه الصفة هي ظاهر الآية كذا ذكر بعد الحنفية، وقد بسط ابن قدامة الكلام في كون الصفة المختارة عند الأئمة الثلاثة أحوط للصلاة والحرب، فعليك أن ترجع إلى المغني. (متفق عليه) أخرجه البخاري في المغازي من طريق قتيبة عن مالك، ومسلم في الصلاة من طريق يحيى بن يحيى عن مالك عن يزيد بن رومان، وأخرجه أيضاً مالك وأبوداود والنسائي والبيهقي (ج3 ص252) .
الصفحة 11
560