كتاب مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (اسم الجزء: 5)
قال: فتهدده أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فغمد السيف وعلقه، قال: فنودي بالصلاة، فصلى بطائفة ركعتين، ثم تأخروا، وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين، قال: فكانت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربع ركعات، وللقوم ركعتان)) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إذ لا حول ولا قوة إلا بالله، قال الطيبي: كان يكفي في الجواب أن يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: الله، فبسط اعتماداً على الله واعتضاداً بحفظه وكلاءته، قال الله تعالى: {والله يعصمك من الناس} [المائدة: 67] انتهى. وهذا من أعظم الخوارق للعادة، فإنه عدو متمكن بيده سيف مشهور فلم يحصل للنبي - صلى الله عليه وسلم - روع ولا جزع، قال الحافظ: فيه فرط شجاعته - صلى الله عليه وسلم - وقوة يقينه وصبره على الأذى وحلمه عن الجهال (قال) أي جابر (فتهدده) أي هدده وخوفه (أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) ظاهره يشعر بأنهم حضروا القصة، وأنه إنما رجع عما كان عزم عليه بالتهديد، وليس كذلك، فإنه وقع في رواية للبخاري بعد قوله (فعلق بها سيفه) : قال جابر فنمنا نومة، فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعونا فجئناه، فإذا عنده أعرابي جالس، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن هذا اخترط سيفي وأنا نائم فاستيقظت وهو في يده صلتاً، فقال لي: من يمنعك؟ قلت: الله، فها هو ذا جالس ثم لم يعاقبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -)) ، فقد بينت هذه الرواية أن هذا القدر لم يحضره الصحابة، وإنما سمعوه من النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد أن دعاهم واستيقظوا، ووقع في رواية أخرى للبخاري بعد قوله: قلت الله فشام السيف، والمراد أغمده وكان الأعرابي لما شاهد ذلك الثبات العظيم وعرف أنه حيل بينه وبين تحقق صدقه وعلم أنه لا يصل إليه فألقى السلاح، وأمكن من نفسه (فغمد السيف) بفتح الميم المخففة وتشدد أي أدخله في غلافه، وفي صحيح مسلم: فأغمد أي من الإغماد (وعلقه) أي في مكانه، ووقع في رواية ابن إسحاق بعد قوله: قال الله فدفع جبريل في صدره فوقع السيف من يده فأخذه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: من يمنعك أنت مني؟ قال: لا أحد، قال: قم فاذهب لشأنك، فلما ولى قال: أنت خير مني، فقال - صلى الله عليه وسلم -: أنا أحق بذلك، ثم أسلم بعد، وفي لفظ: قال: وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، ثم أتى قومه فدعاهم إلى الإسلام، ويجمع بين قوله: ((فها هو ذا جالس ثم لم يعاقبه)) وبين رواية ابن إسحاق بأن قوله: ((فاذهب لشأنك)) كان بعد أن أخبر الصحابة بقصته، فمن عليه لشدة رغبة النبي - صلى الله عليه وسلم - في استئلاف الكفار ليدخلوا في الإسلام ولم يؤاخذه بما صنع بل عفا عنه، وقد تقدم أنه أسلم بعد ذلك وأنه رجع إلى قومه واهتدى به خلق كثير. (قال) أي جابر (فنودي) أي أذن وأقيم للظهر (فصلى بطائفة ركعتين) ثم سلم وسلموا (ثم تأخروا) أي إلى جهة العدو (وصلى) وفي مسلم: فصلى أي النبي - صلى الله عليه وسلم - متنفلاً (بالطائفة الأخرى) التي كانت في جهة العدو بعد مجيئها إليه – عليه الصلاة والسلام – (ركعتين) ثم سلم وسلموا (قال) أي جابر (فكانت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربع ركعات) أي بتسليمتين فرضاً ونفلاً (وللقوم ركعتان) فرضاً، واستدل به على جواز صلاة المفترض
الصفحة 14
560