كتاب مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (اسم الجزء: 5)

ولم يذكر أذاناً ولا إقامة، ثم أتى النساء فوعظهن، وذكرهن، وأمرهن بالصدقة، فرأيتهن يهوين إلى آذانهن وحلوقهن يدفعن إلى بلال، ثم ارتفع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(ولم يذكر) أي ابن عباس في بيان كيفية صلاته - صلى الله عليه وسلم - (أذاناً ولا إقامة) وهذه الجملة معترضة (ثم أتى النساء) أي بعد الخطبة، ومعه بلال، وهذا يشعر بأن النساء كن على حدة من الرجال غير مختلطات بهم (فوعظهن) أي أنذرهن العقاب أو نصحهن بالخصوص لبعدهن وعدم سماعهن الخطبة (وذكرهن) بتشديد الكاف من التذكير، تفسير لسابقه أو تأكيد له، وقيل: تأسيس والمعنى ذكرهن بالأوامر والنواهي المختصة بهن (وأمرهن بالصدقة) الظاهر أن المراد بها مطلق الصدقة، وقيل: المراد الزكاة خاصة وفيه استحباب وعظ النساء وتعليمهن أحكام الإسلام وتذكيرهن بما يجب عليهن ويستحب حثهن إلى الصدقة، وتخصيص بذلك في مجلس منفرد. ومحل ذلك كله إذا أمن الفتنة والمفسدة (يهوين) بفتح أوله وكسر الواو من الهُوِيّ وبضم أوله من الأهواء أي يقصدن (إلى آذانهن) بالمد جمع أذن، وقيل: المراد يهوين بأيديهن إلى آذانهن أي يمددن أيديهن إليها (وحلوقهن) جمع حلق بفتح الحاء وسكون اللام، وهو الحلقوم أي إلى ما فيها من القرط والقلادة (يدفعن) أي حال كونهن يدفعن ما أخذن من آذانهن وحلوقهن (إلى بلال) أي بإلقائه في ثوبه، وفي رواية: يهوين بأيديهن يقذفنه في ثوب بلال، أي يمددن أيديهن بالصدقة حال كونهن يرمين المتصدق به في ثوب بلال، يقال: أهوى بيده إليه أي مدها نحوه وأمالها إليه، ويقال: أهوى بيده إلى الشيء ليأخذه، أي مدّ يده إليه، وقيل: الباء زائدة. وحقيقته أهوى يده إليه أي جعلها هاوية بمعنى ذاهبة قاصدة، ثم الأقرب أن الحلي كانت ملكاً لهن، واستدل به على جواز صدقة المرأة من مالها من غير توقف على إذن زوجها، وعلى مقدار معين من مالها كالثلث خلافاً لبعض المالكية، ووجه الدلالة من القصة ترك الاستفصال عن ذلك كله، فإنه - صلى الله عليه وسلم - لم يسألهن هل استأذن أزواجهن في ذلك أم لا، وهل هو خارج من الثلث أم لا؟ ولو اختلف الحكم بذلك لسأل، لا يقال: إن الغالب حضور أزواجهن فتركهم الإنكار يكون رضاً بفعلهن؛ لأنا نقول: إن النساء كن معتزلات لا يعلم الرجال من المتصدقة منهن من غيرها، ولا قدر ما يتصدق به، ولو علموا فسكوتهم ليس إذناً، وقال القرطبي: ليس فيه تسليم أزواجهن لهن ذلك؛ لأن من ثبت له الحق فالأصل بقاءه حتى يصرح بإسقاطه، ولم ينقل أن القوم صرحوا بذلك – انتهى. وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - لا يجوز لامرأة عطية إلا بإذن زوجها، فهو محمول على الأولى، وخص منه أمر المولى، أو محمول على العطية العرفية من الهبة للأجنبية بناءً على المعاشرة الزوجية، أو على الصدقات التطوعية دون الواجبات والفرضية، وقيل: لا يقاوم هذا أحاديث الجواز فلا حاجة إلى الجمع والتوفيق (ثم ارتفع) أي ذهب وأسرع من ارتفع البعير في سيره أي أسرع

الصفحة 28