كتاب مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (اسم الجزء: 5)

والنبي - صلى الله عليه وسلم - متغشّ بثوبه، فانتهرهما أبوبكر، فكشف النبي - صلى الله عليه وسلم - عن وجهه فقال: ((دعهما يا أبابكر، فإنها أيام عيد – وفي رواية -: يا أبابكر، إن لكل قوم عيداً، وهذا عيدنا)) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لقيه من الأنصار وكانوا قد قدموا مكة ليحالفوا قريشاً كان في جملة ما قالوا له لما دعاهم إلى الإسلام والنصر له وأعلم أنما كانت وقعة بعاث عام الأول، فموعدك الموسم القابل، فقدموا في السنة التي تليها، فبايعوه، وهي البيعة الأولى، ثم قدموا الثانية فبايعوه، وهم سبعون نفساً، وهاجر النبي - صلى الله عليه وسلم - في أوائل التي تليها، فدل ذلك على أن وقعة بعاث كانت قبل الهجرة بثلاث سنين، وهو المعتمد، نعم دامت الحرب بين الحيين الأوس والخزرج المدة التي ذكرها في أيام كثيرة شهيرة – انتهى. وزاد في الرواية المذكورة: وليستا بمغنيتين، أي ليس الغناء عادة لهما، ولا هما معروفتان به، قال في شرح السنة: كان الشعر الذي تغنيان به في وصف الحرب والشجاعة، وفي ذكره معونة لأمر الدين، وأما الغناء بذكر الفواحش والمنكرات من القول فهو المحظور من الغناء، وحاشا أن يجري شيء من ذلك بحضرته – عليه الصلاة والسلام -. (متغشّ بثوبه) أي متغطّ وملتفّ به (فانتهرهما أبوبكر) أي زجر الجاريتين، وفي رواية: فانتهرني، ويجمع بأنه شرك بينهن في الانتهار والزجر، أما عائشة فلتقريرها لهما على الغناء وضرب الدف، وأما الجاريتان فلفعلهما ذلك في بيت النبي - صلى الله عليه وسلم -، وزاد في رواية وقال: مزمارة الشيطان عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ بكسر الميم آخره هاء التأنيث، يعني الغناء أو الدف، وهي مشتقة من الزمير، وهو الصوت الذي له صفير، ويطلق على الصوت الحسن والغناء، وسميت به الآلة التي يزمر بها، وإضافتها إلى الشيطان من جهة أنها تلهي، فقد تشغل القلب عن ذكر الله تعالى، وهذا من الشيطان، وهذا من أبي بكر إنكار لما سمع معتمداً على ما تقرر عنده من منع الغناء واللهو مطلقاً، ولم يعلم أنه - صلى الله عليه وسلم - أقرهن على هذا التقرير اليسير لكونه دخل فوجده مضطجعاً، فظنه نائماً فتوجه له الإنكار (فكشف النبي - صلى الله عليه وسلم - عن وجهه) أي الثوب، وفي رواية: فكشف رأسه (دعهما) أي أترك الجاريتين (فإنها) أي هذه الأيام (أيام عيد) أي أيام سرور وفرح شرعي لأهل الإسلام (وفي رواية) أي للشيخين (يا بابكر إن لكل قوم) أي إن لكل طائفة من الأمم المختلفة (عيداً) يسمونه باسم النيروز والمهرجان (وهذا) أي هذا الوقت أو هذا اليوم (عيدنا) أي يوم عيدنا معاشر الإسلام، وهو يوم سرور شرعي، فلا ينكر مثل هذا، قال الحافظ: قوله: ((إن لكل قوم عيداً، وهذا عيدنا)) فيه تعليل الأمر بتركهما وإيضاح خلاف ما ظنه الصديق من أنهما فعلتا ذلك بغير علمه - صلى الله عليه وسلم -؛ لكونه دخل فوجده مغطى بثوبه، فظنه نائماً فتوجه له الإنكار على ابنته من هذه الأوجه مستصحباً لما تقرر عنده من منع الغناء واللهو، فبادر إلى إنكار ذلك قياماً عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك مستنداً إلى ما ظهر له، فأوضح له النبي - صلى الله عليه وسلم - الحال،

الصفحة 35