كتاب مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (اسم الجزء: 5)
رواه البخاري.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فيستحب الذهاب إلى صلاة العيد في طريق، والرجوع في طريق أخرى للإمام والمأموم جميعاً تأسياً واقتداء به - صلى الله عليه وسلم -، وبه قال الحنفية والحنابلة وأكثر الشافعية. قال الحافظ في الفتح: وبه قال أكثر أهل العلم، وقد اختلف في الحكمة في مخالفته - صلى الله عليه وسلم - الطريق في الذهاب والرجوع يوم العيد على أقوال كثيرة. قال الحافظ: اجتمع لي منها أكثر من عشرين قولاً، فقيل إنه فعل ذلك ليشهد له الطريقان، وقيل: سكانهما من الجن والإنس، وقيل: ليسوي بينهما في مزية الفضل بمروره أو في التبرك به أو ليشم رائحة المسك من الطريق التي يمر بها؛ لأنه كان معروفاً بذلك، وقيل: ليزور أقاربه الأحياء والأموات، وقيل: ليصل رحمه، وقيل: ليتفاءل بتغير الحال إلى المغفرة والرضاء. وقيل: لاظهار شعار الإسلام فيهما، وقيل: لإظهار ذكر الله، وقيل: ليغيظ المنافقين أو اليهود. وقيل: ليرهبهم بكثرة من معه، وقيل: فعل ذلك ليعمهم في السرور به، أو التبرك بمروره وبرؤيته، والانتفاع به في قضاء حوائجهم في الاستفتاء، أو التعلم والاقتداء والاسترشاد، أو الصدقة، أو السلام عليهم، أو غير ذلك. وقيل: لأن الملائكة تقف في الطرقات، فأراد أن يشهد له فريقان منهم. وقيل: لئلا يكثر الازدحام، وقيل: لأن عدم التكرار أنشط عند طباع الأنام، وقيل: غير ذلك، وأشار ابن القيم إلى أنه فعل ذلك لجميع ما ذكر من الأشياء المحتملة القريبة. قال القسطلاني: ثم من شاركه - صلى الله عليه وسلم - في المعنى ندب له ذلك، وكذا من لم يشاركه في الأظهر تأسياً به – عليه الصلاة والسلام – كالرمل والاضطباع سواء فيه الإمام والمأموم. وقال ابن قدامة: وفي الجملة الاقتداء به سنة لاحتمال بقاء المعنى الذي فعله من أجله، ولأنه قد يفعل الشيء لمعنى، ويبقى في حق غيره سنة مع زوال المعنى كالرمل والاضطباع في طواف القدوم، وفعله هو وأصحابه لإظهار الجلد للكفار، وبقي سنة بعد زوالهم، ولهذا روى عن عمر – رضي الله عنه – أنه قال: يم الرملان الآن ولمن نبدي مناكبنا؟ وقد نفى الله المشركين، ثم قال مع ذلك: لا ندع شيئاً فعلناه مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (رواه البخاري) من طريق فليح بن سليمان عن سعيد بن الحارث عن جابر. واختلف الرواة في الرواية عن فليح، فبعضهم جعله عن جابر، كما في البخاري والبيهقي (ج3 ص308) وبعضهم جعله عن أبي هريرة، وهو عند أحمد والترمذي وابن ماجه وابن حبان والحاكم (ج1 ص296) ، والبيهقي (ج3 ص308) أيضاً، وقد رجح البخاري كونه عن جابر حيث قال: حديث جابر أصح، وكذا رجحه الترمذي تبعاً لشيخه البخاري، وخالفه أبومسعود الدمشقي، فرجح أنه عن أبي هريرة. قال الحافظ: ولم يظهر لي في ذلك ترجيح، وقال الشيخ أحمد شاكر: وأنا أرجح صحتهما معاً سمع سعيد بن الحارث الحديثين من جابر وأبي هريرة، فكان يروي مرة حديث هذا ومرة حديث ذاك، قال الحافظ: قد تفرد بهذا الحديث فليح، وهو مضعف عند ابن معين والنسائي وأبي داود، ووثقه آخرون، فحديثه من قبيل الحسن، لكن له شواهد من حديث ابن عمر وسعد
الصفحة 39
560