كتاب مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (اسم الجزء: 5)

عجله لأهله، ليس من النسك في شيء)) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
نسك، فهي مضافة إلى محذوف أقيم المضاف إليه مقامه – انتهى. والتعبير بالشاة للغالب، إذ البقر والإبل كذلك (عجله لأهله) أي قدمه لهم ينتفعون به (ليس من النسك) بضمتين (في شيء) أي ليس من العبادة فلا ثواب فيها بل هي لحم ينتفع به أهله، قال الحافظ: النسك يطلق ويراد به الذبيحة، ويستعمل في نوع خاص من الدماء المراقة، ويستعمل بمعنى العبادة، وهو أعم، يقال: فلا ناسك أي عابد، وقد استعمل في حديث البراء بالمعنى الثالث – انتهى. والحديث يدل على أن وقت الذبح يدخل بعد فعل الصلاة مع الإمام، ولا يشترط التأخير إلى نحر الإمام وأن من ذبح قبل الصلاة لم يجزئه عن الأضحية، واختلف العلماء في أول وقت التضحية. قال ابن المنذر: أجمعوا على أنها لا يجوز قبل طلوع الفجر يوم النحر، واختلفوا فيما بعد ذلك. فقال الشافعي وداود وآخرون: يدخل وقتها إذا طلعت الشمس، ومضى قدر صلاة العيد وخطبتين، فإن ذبح بعد هذا الوقت أجزأه سواء صلى الإمام أم لا، وسواء صلى المضحى أم لا، وسواء كان من أهل الأمصار أو من أهل القرى والبوادي والمسافرين، وسواء ذبح الإمام أضحيته أم لا. قال القرطبي: ظواهر الأحاديث تدل على تعليق الذبح بالصلاة، لكن لما رأى الشافعي أن من لا صلاة عيد عليه مخاطب بالتضحية حمل الصلاة على وقتها. قال الحافظ: وإنما شرط الشافعية فراغ الخطبة؛ لأن الخطبتين مقصودتان مع الصلاة في هذه العبادة، فيعتبر مقدار الصلاة والخطبتين على أخف ما يجزئ بعد طلوع الشمس. وقال أبوحنيفة: يدخل وقتها في حق أهل القرى والبوادي إذا طلع الفجر الثاني، ولا يدخل في حق أهل الأمصار حتى يصلي الإمام ويخطب، فإن ذبح قبل ذلك لم يجزئه. وقال مالك: لا يجوز ذبحها إلا بعد صلاة الإمام وخطبته وذبحه , واستدل له بحديث جابر قال: صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم النحر بالمدينة، فتقدم رجال فنحروا وظنوا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد نحر، فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - من كان نحر قبله أن يعيد بنحر آخر، ولا ينحروا حتى ينحر النبي - صلى الله عليه وسلم -. أخرجه أحمد ومسلم، وهو صريح في أن الاعتبار بنحر الإمام، وأنه لا يدخل وقت التضحية إلا بعد نحره، ومن فعل قبل ذلك أعاد. وقال أحمد: لا يجوز قبل صلاة الإمام ويجوز بعدها قبل ذبح الإمام، وسواء عنده أهل الأمصار والقرى، ونحوه عن الحسن والأوزاعي وإسحاق به راهويه. قال الحافظ: وهو وجه للشافعية قوي من حيث الدليل، وإن ضعفه بعضهم، ومثله قول الثوري: يجوز بعد صلاة الإمام قبل خطبته وفي أثنائها. وقال ربيعة فيمن لا إمام له: إن ذبح طلوع الشمس لا يجزئه، وبعد طلوعها يجزئه. قلت: الراجح عندي من هذه الأقوال هو ما ذهب إليه أحمد ومن وافقه من أن وقت التضحية بعد صلاة الإمام، فالمؤثر في عدم الإجزاء هو الذبح قبل الصلاة، وسواء في ذلك أهل القرى والأمصار، وهذا لظواهر الأحاديث الواردة في

الصفحة 41