كتاب مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (اسم الجزء: 5)

القين، وكان ظئراً لإبراهيم، فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إبراهيم فقبله وشمه، ثم دخلنا عليه بعد ذلك، وإبراهيم يجود بنفسه، فجعلت عينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تذرفان. فقال له عبد الرحمن بن عوف: وأنت يا رسول الله؟!
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ابن أوس، وقال في الإصابة في ترجمة أبي سيف بعد ذكر رواية الواقدي ما لفظه: فإن كان ثابتاً احتمل أن تكون أم بردة أرضعته ثم تحول إلى أم سيف وإلا فالذي في الصحيح هو المعتمد-انتهى. وقال في ترجمة أم بردة: اسمها خولة، قاله ابن سعد، وهي التي أرضعت إبراهيم بن النبي - صلى الله عليه وسلم -، دفعه إليها لما وضعته مارية، فلم تزل ترضعه حتى مات عنها. وقال أبوموسى: المشهور أن التي أرضعته أم سيف، ولعلهما جميعاً أرضعتاه-انتهى. (القين) بفتح القاف وسكون الياء آخره نون صفة لأبي سيف أي الحداد، ويطلق على كل صانع، يقال: قان الشيء إذا أصلحه. (وكان) أي أبوسيف. (ظئراً) بكسر الظاء المعجمة وسكون الهمزة أي مرضعاً، وأطلق عليه ذلك؛ لأنه كان زوج المرضعة، وأصل الظئر من ظأرت الناقة إذا عطفت على غير ولدها، فقيل ذلك للتي ترضع ولد غيرها، وأطلق ذلك على زوجها؛ لأنه يشاركها في تربيته غالباً. قال ابن الجوزي: الظئر المرضعة ولما كان زوجها تكفله سمي ظئراً، وأصله عطف الناقة على غير ولدها ترضعه، وفي المحكم: الظئر العاطفة على ولد غيرها المرضعة من الناس والإبل الذكر والأنثى في ذلك سواء. (لإبراهيم) أي ابن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وفي رواية لمسلم: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ولد لي الليلة غلام فسميته باسم أبي إبراهيم، ثم دفعه إلى أم سيف امرأة قين بالمدينة يقال له أبوسيف، فانطلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاتبعته، فانتهى إلى أبي سيف، وهو ينفخ بكيره وقد امتلأ البيت دخاناً، فأسرعت المشى بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقلت: يا أباسيف! امسك جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (فقبله وشمه) أي وضع أنفه ووجهه على وجهه كمن يشم رائحة. فيه أي محبة الأطفال والترحم بهم سنة. (ثم دخلنا عليه) أي على أبي سيف. (بعد ذلك) أي بأيام. (وإبراهيم يجود بنفسه) أي يخرجها ويدفعها، كما يدفع الإنسان ماله يجود به. (تذرفان) بالذال المعجمة وكسر الراء وبالفاء أي يجري دمعها. في النهاية: ذرفت العين إذا جرى دمعها. (وأنت يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) فيه معنى التعجب، والواو تستدعى معطوفاً عليه، أي الناس لا يصبرون على المصائب ويتفجعون ويبكون، وأنت تفعل كفعلهم، أي لا ينبغي لك أن تنفجع، كأنه استغرب ذلك منه؛ لأنه يدل على ضعف النفس والعجز عن مقاومه المصيبة بالصبر، ويخالف ما عهده منه من الحث على الصبر والنهي عن الجزع، فأجاب بقوله: إنها رحمة، أي الحالة التي تشاهدها مني يا ابن عوف هي رقة ورحمة وشفقة على المقبوض، أي الولد، لا ما توهمت من الجزع وقلة الصبر، ووقع في حديث جابر عند الترمذي والبيهقي، وفي حديث عبد الرحمن نفسه عند ابن سعد والطبراني: فقلت: يا رسول الله! تبكي، أوَ لم تنه عن البكاء؟ وزاد

الصفحة 458