كتاب مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (اسم الجزء: 5)

فقال يا ابن عوف! إنها رحمة، ثم اتبعها بأخرى، فقال: إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون)) متفق عليه.
1737- (2) وعن أسامة بن زيد، قال: ((أرسلت ابنة النبي - صلى الله عليه وسلم - إليه: أن ابناً لي قبض
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فيه: إنما نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند نغمة لهو ولعب ومزامير الشيطان، وصوت عند مصيبة خمش وجوه وشق جيوب ورنة شيطان، قال: إنما هذا رحمة، ومن لا يرحم لا يرحم. وفي رواية محمود بن لبيد عند ابن سعد فقال: إنما أنا بشر. وعند عبد الرزاق من مرسل مكحول: إنما أنهى الناس عن النياحة، أن يندب الرجل بما ليس فيه. (إنها) أي هذه الدمعة التي تراها في العين أو الحالة التي تشاهدها. (رحمة) أي أثر رحمة جعلها الله في قلوب عباده. (ثم اتبعها بأخرى) أي اتبع الدمعة الأولى بدمعة أخرى، وقيل: اتبع الكلمة الأولى المجملة، وهي قوله: "إنها رحمة" بكلمة أخرى مفصلة، وهي قوله: إن العين تدمع، والقلب يحزن. فكان هذه الكلمة الأخرى صارت مفسرة للكلمة الأولى. قال الحافظ: ويؤيد هذا التأويل ما تقدم من طريق عبد الرحمن ومرسل مكحول. (والقلب) بالنصب ويرفع. (يحزن) بفتح الزاي. (ولا نقول) أي مع ذلك. (إلا ما يرضى ربنا) قال القاري: وفي نسخة بضم الياء وكسر الضاد ونصب ربنا. (وإنا بفراقك) أي بسبب مفارقتك إيانا. (لمحزونون) وفي حديث عبد الرحمن ومحمود بن لبيد: ولا نقول ما يسخط الرب، وزاد في حديث عبد الرحمن في آخره: لولا أنه أمر حق، ووعد صدق، وسبيل تأتيه، وأن آخرنا سيلحق بأولنا لحزنا عليك حزناً هو أشد من هذا، ونحوه في حديث أسماء بنت يزيد عند ابن ماجه ومرسل مكحول، وفي آخر حديث محمود بن لبيد وقال: إن له مرضعاً في الجنة. ومات وهو ابن ثمانية عشر شهراً. قال ابن بطال وغيره: هذا الحديث يفسر البكاء المباح والحزن الجائز، وهو ما كان بدمع العين ورقة القلب من غير سخط لأمر الله، وهو أبين شيء وقع في هذا المعنى. وفيه مشروعية تقبيل الولد وشمه. ومشروعية الرضاع، وعيادة الصغير، والحضور عند المحتضر، ورحمة العيال، وجواز الأخبار عن الحزن وإن كان الكتمان أولى. وفيه وقوع الخطاب للغير، وإرادة غير بذلك، وكل منهما مأخوذ من مخاطبة النبي - صلى الله عليه وسلم - ولده مع أنه في تلك الحالة لم يكن ممن يفهم الخطاب لوجهين: أحدهما صغره. والثاني نزعه، وإنما أراد بالخطاب غيره من الحاضرين، إشارة إلى أن ذلك لم يدخل في نهيه السابق. وفيه جواز الاعتراض على من خالف فعله ظاهر قوله ليظهر الفرق ذكره الحافظ في الفتح. (متفق عليه) وأخرجه أبوداود والبيهقي من وجه آخر بنحوه، وكذا مسلم، وقد ذكرنا أوله.
1737- قوله: (أرسلت ابنة النبي - صلى الله عليه وسلم -) هي زينب كما عند ابن أبي شيبة وابن بشكوال. (أن ابناً لي قبض) أي قرب قبضه وموته. وقال القسطلاني: أي في حال القبض ومعالجة الروح، فأطلق القبض مجازاً باعتبار أنه في

الصفحة 459