كتاب مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (اسم الجزء: 5)

فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه، فقال ابن عباس: قد كان عمر يقول بعض ذلك، ثم حدث، فقال: صدرت مع عمر من مكة حتى إذا كنا بالبيداء، فإذا هو يركب تحت ظل سمرة، فقال: اذهب فانظر من هؤلاء الركب؟ فنظرت، فإذا هو صهيب، قال: فأخبرته، فقال: ادعه، فرجعت إلى صهيب، فقلت: ارتحل فالحق أمير المؤمنين، فلما أن أصيب عمر دخل صهيب يبكي، يقول: وا أخاه، وا صاحباه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مكانه ويجلس فيه للنهى عن ذلك. (إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه) زاد في رواية لمسلم وأحمد وقال: فأرسلها عبد الله مرسلة. قال النووي: معناه أن ابن عمر أطلق في روايته تعذيب الميت ببكاء الحي، ولم يقيده بيهودي كما قيدته عائشة، ولا بوصية كما قيده آخرون، ولا قال ببعض بكاء أهله كما رواه أبوعمر. (فقال ابن عباس) أي معترضاً على ابن عمر بأن عائشة خالفته كأبيه. (قد كان عمر يقول بعض ذلك) أي للعموم، وهو أن يكون بصوت أو ندبة أو يروى أي بعض ذلك الكلام؛ لأن في روايته: ببعض بكاء أهله كما سيأتي. (ثم حدث) أي روى ابن عباس ما سمعه من عمر (صدرت) أي رجعت. (مع عمر من مكة) قافلاً من حجه. (بالبيداء) بفتح الموحدة وسكون التحتية، مفازة بين مكة والمدينة، قاله العيني. وقال القاري: موضع قريب من ذي الحليفة. (فإذا هو) أي عمر "وإذا" للمفاجأة. (بركب) بفتح فسكون أي جماعة راكبين. (تحت ظل سمرة) بفتح السين المهملة وضم الميم، شجرة عظيمة من شجر الغضاة. (فقال) أي عمر. (اذهب فانظر) أي تحقق (صهيب) أي ومن معه بضم الصاد ابن سنان بن قاسط، وكان من السابقين الأولين المعذبين في الله. (قال) أي ابن عباس. (فأخبرته) أي أخبرت عمر بذلك. (ادعه) بضم الهاء أي اطلب صهيباً لي. (فقلت) أي لصهيب. (ارتحل) أي من مكانك. (فالحق) بفتح الحاء، أمر من اللحوق. (أمير المؤمنين) هذا توطئة للمصاحبة والخصوصية الخالصة والمؤاخاة السالفة بين عمر وصهيب. (فلما أن) زائدة. (أصيب عمر) أي بالجراحة التي مات بها، وكان ذلك عقب حجه المذكور، ففي رواية مسلم المذكورة: فلما قدمنا المدينة لم يلبث عمر أن أصيب. وفي رواية الحميدي: لم يلبث أن طعن. (يبكي) حال. (يقول) بدل اشتمال من يبكي، قاله القاري. وقال العيني "يبكي" جملة وقعت حالاً من صهيب، وكذلك يقول "حال"، ويجوز أن يكون من الأحوال المترادفة، وأن يكون من المتداخلة. (وا أخاه وا صاحباه) كلمة "وا" للندبة. والألف في آخره ليس مما يلحق الأسماء الستة لبيان الإعراب، بل هو مما يزاد في آخر المندوب لتطويل مد الصوت، والهاء ليست بضمير، بل هو هاء السكت، وشرط المندوب أن يكون معروفاً، فلا بد من القول بأن

الصفحة 488