كتاب مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (اسم الجزء: 5)
وابن رواحة، جلس يعرف فيه الحزن، وأنا أنظر من صائر الباب – تعني شق الباب- فأتاه رجل فقال: إن نساء جعفر، وذكر بكاءهن،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
واستشهد بها سنة ثمان من الهجرة، قاتل فيها حتى قطعت يداه جميعاً، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن الله أبدله بيديه جناحين يطير بهما في الجنة حيث شاء، فمن هناك قيل: له جعفر الطيار وجعفر ذوالجناحين، وهو أول من عرقب فرساً في سبيل الله، نزل يوم مؤتة إذ رأى الغلبة، فعرقب فرسه. وقاتل حتى قتل، قال ابن عمر: كنت معهم في تلك الغزوة، فالتمسنا جعفراً فوجدنا فيما أقبل من جسمه بضعاً وتسعين بين طعنة ورمية، وكان سنه يوم قتل (41) سنة. (وابن رواحة) هو عبد الله بن رواحة بن ثعلبة بن امرئ القيس الخزرجي الأنصاري الشاعر، أحد السابقين الأولين من الأنصار، وأحد النقباء ليلة العقبة، وثالث الأمراء بغزوة مؤتة، شهد بدراً وما بعدها إلى أن استشهد بمؤتة. قال ابن سعد: كان يكتب للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو الذي جاء ببشارة بدر إلى المدينة. قال ابن عبد البر: هو أحد الشعراء المحسنين الذين كانوا يردون الأذى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفيه وفي صاحبه حسان، وكعب بن مالك نزلت: {إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وذكروا الله كثيراً} الآية [الشعراء:237] ، ومناقبة كثيرة، وقصة غزوة مؤتة في الصحيحين. (جلس) هو جواب "لما" أي لما جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - خبر شهادتهم على لسان جبريل جلس أي في المسجد، كما في رواية أبي داود. وفيه دليل على جواز الجلوس للعزاء في المسجد. (يعرف) بصيغة المجهول. (فيه) أي في وجهه. (الحزن) أي أثره وهو بضم الحاء وسكون الزاي، والجملة حال أي جلس حزيناً، وعدل إلى قوله: يعرف، ليدل على أنه - صلى الله عليه وسلم - كظم الحزن كظماً، وكان ذلك القدر الذي ظهر فيه من جبلة البشرية. (وأنا أنظر) جملة حالية أيضاً. وقائلها عائشة رضي الله عنها. (من صائر الباب) بالصاد المهملة المفتوحة والهمزة بعد الألف أي الشق الذي كان بالباب. قال المازري: كذا وقع في الصحيحين "صائر الباب"، والصواب صير الباب بكسر الصاد وسكون التحتية، وهو الشق. قال القسطلاني: وهو المحفوظ كما في المجمل والصحاح والقاموس، وقال ابن الجوزي صائر وصير بمعنى واحد. وفي كلام الخطابي نحوه. (تعني) أي تريد عائشة بصائر الباب. (شق الباب) بفتح الشين المعجمة أي الموضع الذي ينظر منه، وهذا لفظ البخاري في المغازي. قال العيني: وهذا التفسير إنما وقع في رواية القابسي، فيكون من الراوي. وفي رواية لهما "وأنا أنظر من صائر الباب شق الباب" أي بدون لفظ تعني. (فأتاه رجل) قال الحافظ: لم أقف على اسمه، وكأنه أبهم عمداً لما وقع في حقه من غض عائشة منه. (إن نساء جعفر) أي امرأته وهي أسماء بنت عميس الخثعمية ومن حضر عندها من النساء من أقاربها وأقارب جعفر ومن في معناها، ولم يذكر أهل العلم بالأخبار لجعفر امرأة غير أسماء. (وذكر) أي الرجل. (بكاءهن) الجملة في محل النصب على الحالية سادة مسد الخبر. قال الطيبي: هو حال عن المستتر في قوله "فقال"
الصفحة 492
560