كتاب مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (اسم الجزء: 5)

..........................
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قال ابن تيمية في منهاج السنة: ليست عادته نقد الحديث نقد أهل العلم، ولهذا روى في شرح معاني الآثار الأحاديث المختلفة، وإنما يرجح ما يرجحه منها في الغالب من جهة القياس الذي رآه حجة، ويكون أكثره مجروحاً من جهة الإسناد ولا يثبت، فإنه لم يكن له معرفة بالإسناد كمعرفة أهل العلم به، وإن كان كثير الحديث فقيهاً عالما به – انتهى. واحتج له أيضاً بما أخرج الطحاوي في الجنائز بسنده عن إبراهيم النخعي قال: قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والناس مختلفون في التكبير على الجنازة ... الحديث، وفي آخره: فتراجعوا الأمر بينهم (في خلافة عمر) فأجمعوا أمرهم على أن يجعلوا التكبير على الجنائز مثل التكبير في الأضحى والفطر، أربع تكبيرات، فأجمع أمرهم على ذلك، قال بعض الحنفية: فهذا كالنص في أن تكبيرهما أربعاً كان مجمعاً عليه، أرجعوا إليها تكبيرات الجنازة – انتهى. وقال صاحب العرف الشذى (ص240) : وأعلى ما في الباب لنا ما هو من إجماعيات عمر، روه إبراهيم النخعي مرسلاً في معاني الآثار (ص286) . قلت: إبراهيم النخعي قال ابن المديني فيه: إنه لم يلق أحداً من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وقال أبوحاتم: لم يلق أحداً من الصحابة إلا عائشة، ولم يسمع منها، وأدرك أنساً ولم يسمع منه، فالحكاية منقطعة موقوفة لا يجوز الاحتجاج بها، لاسيما وقد عارضها الأحاديث المرفوعة الموصولة التي ذكرناها، والآثار المروية عن الصحابة التي أشرنا إليها. واحتج له أيضاً بما روي عن ابن مسعود وغيره موقوفاً عليهم من فعلهم ولا حجة فيه؛ لأنه رأي منهم للقياس مدخل فيه، فلعلهم قاسوا ذلك على تكبير الجنائز، كما يشير إليه قوله في رواية الطحاوي المرفوعة ((لا تنسوا كتكبير الجنازة)) وقوله في حديث سعيد بن العاص الآتي: كان يكبر أربعاً تكبيره على الجنائز، بخلاف أقاويل الصحابة في السبع والخمس فإنه لا مدخل للقياس فيه، فهي كنقل عدد الركعات، ولو سلم أن أثر ابن مسعود وغيره مرفوع حكماً فهو لا يقاوم الأحاديث المرفوعة حقيقة، ولذلك قال البيهقي في السنن (ج3 ص291) بعد ذكر أثر ابن مسعود: هذا رأي من جهة عبد الله، والحديث المسند مع ما عليه من عمل المسلمين أولى أن يتبع، وقال أيضاً (ج3 ص292) : نخالف ابن مسعود في عدد التكبيرات وتقديمهن على القراءة في الركعتين جميعاً لحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم فعل أهل الحرمين وعمل المسلمين إلى يومنا هذا – انتهى. تنبيه: قال في الهداية: وظهر عمل العامة اليوم بقول ابن عباس لأمر الخلفاء من بني العباس به، قال في الظهيرية: وهو تأويل ما روي عن أبي يوسف ومحمد، فإنهما فعلا ذلك، لأن هارون أمرهما أن يكبرا بتكبير جده ففعلا ذلك امتثالاً له لا مذهباً واعتقاداً – انتهى. وقال ابن التركماني في الجوهر النقي: وإنما كان عمل المسلمين بقول ابن عباس؛ لأن أولاده الخلفاء أمروهم بذلك، فتابعوهم خشية الفتنة لا رجوعاً عن مذاهبهم واعتقاداً لصحة رأي ابن عباس في ذلك -

الصفحة 51